د. عادل القليعي يكتب : أفلا يعقلون
موضوع جد مهم ، بل من الموضوعات الشائكة التي كثر الجدال والنقاش حولها.
فهل نبدأ بالعقل في معالجة قضايانا التي تطرح أمامنا كل في مجال تخصصه؟، أم هل نبدأ بالنقل؟ أم بهما معا.
سؤال فلسفي أثارته العديد من الفلسفات، فنجد الفلسفة اليونانية منذ الطبيعيين الأوائل وحتي المدارس اليونانية المتأخرة والمدرسة الرواقية والأبيقورية، نجد جميعهم قد خاض في قضايا فلسفية كان نقاشها عقليا حتي أفلاطون الذي صنف فيلسوف المثالية فإنه لم يحد عن إعمال العقل .
وكذلك المعلم الأول أرسطو الذي لقب برائد الاتجاه العقلاني في الفكر اليوناني، سواء في معالجته للمسائل الطبيعية(راجع كتابه السماع الطبيعي) ، والمسائل الميتافيزيقية(النفس) إذ كانا يعرضا قضاياهما علي العقل بمعطياته وبمقدماته، ثم يستخلصا نتائج تعرض علي العقل، فإذا كانت متسقة ومتوافقة يتم قبولها،
أما إذا كانت لم تتفق ويتوافق عليها فإنه يتم إعادة معالجتها وطرحها مرة أخري عن طريق الجدل المنطقي.
والشاهد علي ذلك محاورات سقراط مع السفطائيين، فكان يغلب عليها الخطاب العقلاني تهكما وتوليد .
وإذا ما اتجهنا إلى العصور الوسطي اليهودية والمسيحية والإسلامية، فنجد جميعهم (جميع الفلاسفة حاولوا إرضاء نزعاتهم العقلية في معالجة قضاياهم ولم لا؟!
والفلسفة روحها العقل وميزانها العقل، وقد أدي ذلك إلى تعرض كثير منهم إلى حملات الاضطهاد والكراهية والتشويه، بل اتهمهم كثيرون بالزندقة والإلحاد والمروق عن الدين.
فنجد ابن تيميه يقول” من تمنطق فقد تزندق”، وقوله إذا تعارض صحيح المنقول مع صريح المعقول يقدم صحيح المنقول.
من منا ونحن أصحاب الديانات السماوية ينكر صحيح المنقول؟!! ، لا أحد ولكن كان لابد على ابن تيميه من مراجعة هذه المقولة بأن يتخفف من حدته بالقول لابد أن نعرض ما يقدمه صحيح المنقول على العقل ويتم دراسته وتحليله تحليلا دقيقا وإذا ما تم ذلك فلن يكون هناك تعارض، لأن الدين يخاطب العقول.
لو تصفحنا كتاب دلالة الحائرين لموسى بن ميمون الفيلسوف اليهودي نجد خطابا عقلانيا،
وهذه ضروة منطقية لأنني كما ذكرت الفلسفة خطاب عقلاني .
وكذلك فلاسفة الإسلام، بدأ من الكندي وحتي ابن خلدون فإننا لا نفارق روح التفلسف السائد علي كتاباتهم العقلانية فنجد الفارابي يؤلف رسالة في معاني العقل .
وكذلك ابن سينا يبدع في كتابه تسع رسائل في الحكمة والطبيعيات والإلهيات ، إنها رسالة يسودها العقلانية.
وإذا ما اتجهنا إلى فلاسفة المغرب بدءا
من ابن سيد البطليوسي ومرورا بابن باجه وابن طفيل ورسالة الاتصال الباجية فإننا نرى خطابا عقلانيا يحلق بنا في فضاء رحب يشعرنا بالبهجة والنشوة العقلية، يشعرنا أننا نحيا بالعقل .
حتي إذا ما وصلنا إلى فيلسوف قرطبة ابن رشد الذي قال تعلمت فلسفتي العقلية علي يدي المعلم الأول أرسطو وأكملتها علي يدي ابن باجه الذي لو أمهله القدر لأصبح فيلسوف العقلانية الأوحد في العالم العربي والإسلامي.
ولكن إحقاقا للحق فعلى الرغم من رفع هؤلاء لشأن العقل إلا أنهم لم يجوروا علي النقل بل حاولوا محاولات عديدة للتوفيق بينهما إرضاء للعقل وإرضاء للنقل.
وإذا ما تركنا الفلسفة الإسلامية واتجهنا إلى الفلسفة المسيحية بدءا من أوغسطين، مرورا ببطرس أبيلارد، وانسلم إلي توما الإكويني، في قضية شائقة وشائكة وهى تخص العقل والإيمان من خلال أومن لاتعقل أم أتعقل كى أومن.
وكان للعقل النصيب الأوفر عند توما الإكويني الذي أقر بأسبقية العقل علي الإيمان فقال أتعقل كى أومن.
ونحن الآن أبناء القرن الحادي والعشرين ما قولنا في هذا المشكل العقل وأهميته :
قضايانا المعيشة جد كثيرة وعويصة، وحلها ليس صعبا ولا مستغلقا لكن مع إعمال العقل والتفكير بتؤدة وسكينة وطمأنينة سنجد حلولا ناجعة لها .
فالعقل ما دخل في شيئ إلا زانه ، وما خرج من شيئ إلا شانه.
ويكفيه فخرا ما قاله الله عنه بك أحاسب وبك أدخل الجنة وبك أدخل النار، فلا جزاء ثوابا أوعقابا لمن فقد عقله حتي يستفيق ويعود الي رشده .
وكذلك التفكير فرض عين علي كل إنسان لماذا؟ لأن العقل ميزة ميز الله تعالى بها الإنسان عن سائر المخلوقات، وكذلك ثمه ميزة أخرى ميز الله بها الإنسان هي الإرادة .
فهل أعملنا عقولنا وفكرنا تفكيرا منطقيا سليما ولم ندع أحدا يفكر لنا نفكر ونفكر؛ ونتعقل فالعقل أعدل الأشياء وهو قسمة بين الناس كما قال الفيلسوف الفرنسي الكبير رينيه ديكارت.
أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.