رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن أسرار اّية الكرسي
بقلم / المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
ورئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: “يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟”، قَالَ: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: “يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟”، قَالَ: قُلْتُ: (اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)[البقرة: 255]، قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي، وَقَال: “وَاللهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ، أَبَا الْمُنْذِرِ”، أيْ: لِتَسْعَدْ بِهَذَا الْعِلْمَ الَّذِي مَعَكَ، وَفِي هَذَا فَضْلُ الصَّحَابَةِ، وَذَلِكَ لإِدْرَاكِهِمْ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- مَكَانَةَ التَّوْحِيدِ وَعِظَمِ شَأْنِهِ، وَأَنَّهُ أَعْظَمُ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ.
آيَةُ الْكُرْسِيِّ آيَةٌ عَظِيمَةٌ، بَلْ هِيَ أَعْظَمُ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللهِ لأَنَّهَا أَصْلُ التَّوْحِيدِ؛ تَجْمَعُ صِفَاتِ الْعَظَمَةِ وَالْجَلاَلِ للهِ -عَزَّ وَجَلَّ-؛ حَيْثُ وَصَفَ اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ذَاتَهُ لِخَلْقِهِ مِنْ خِلاَلِهَا، مَنْ تَدَبَّرَهَا وَعَلِمَ أَسْرَارَهَا، امْتَلأَ قَلْبُهُ تَعْظِيمًا وَإِجْلاَلاً وَعُبُودِيَّةً وَمَحَبَّةً لِخَالِقِهِ؛ فَهِيَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللهَ -تَعَالَى- مُنْفَرِدٌ بِالأُلُوهِيَّةِ وَالْقُدْرَةِ وَالسُّلْطَانِ، قَائِمٌ عَلَى تَدْبِيرِ الْكَائِنَاتِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَأَوَانٍ، لاَ يَغْفُلُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ خَلْقِهِ، حَيٌّ قَيُّومٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ، لَهُ الْكَمَالُ الْمُطْلَقُ، لاَ يَغْلُبُهُ النُّعَاسُ لأَنَّهُ لاَ يَنَامُ وَلاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ؛ لأَنَّ هَذَا مِنْ تَمَامِ كَمَالِ حَيَاتِهِ وَقَيُّومِيَّتِهِ.
مَالِكٌ لِكُلِّ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا، عَلِيمٌ حَكِيمٌ، يَعْلَمُ الْمَاضِيَ وَالْحَاضِرَ وَالْمُسْتَقَبَلَ، أَحَاطَ كُرْسِيُّهُ -وَهُوَ مَوْضِعُ قَدَمَيْهِ- السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، وَلاَ يَشُقُّ عَلَيْهِ -عَزَّ وَجَلَّ- حِفْظُهَا، وَلاَ يَعْجَزُ عَنْ رِعَايَةِ مَا أَوْجَدَهُ فِيهِمَا، وَلاَ يُثْقِلُهُ -تَعَالَى- تَسْيِيرُ شُؤُونِهِمَا، حَسْبَمَا قَضَاهُ وَقَدَّرَهُ فِيهِمَا؛ (وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ)[الروم: 25].
فَسُبْحَانَ مَنْ رَفَعَ السَّمَاءَ، وَبَسَطَ الأَرْضَ، وَنَصَبَ الْجِبَالَ، وَأَجْرَى الأَنْهَارَ، وَحَرَّكَ الْهَوَاءَ، وَشَقَّ الْحَبَّ وَأَخْرَجَ الثِّمَارَ، فَسُبْحَانَهُ مِنْ مَأْلُوهٍ مَعْبُودٍ، تَؤُلِّهُهُ الْخَلاَئِقُ مَحَبَّةً وَتَعْظِيمًا، وَخُضُوعًا وَخُنُوعًا، وَرَغْبَةً وَرَهْبَةً وَفَزَعًا إِلَيْهِ فِي الْحَوَائِجِ وَالنَّوَائِبِ.
أَسْرَارُ آيَةِ الْكُرْسِيِّ عَظِيمَةٌ بَيَّنَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَحَرَصَ عَلَى تَحْقِيقِ هَذِهِ الأَسْرَارِ السَّلَفُ الصَّالِحُ، وَمِنْ ذَلِكَ:
أَنَّهَا تُقْرَأُ قِرَاءَةً رَاتِبَةً فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَدْبَارَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ؛ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ”(رواه النسائي وصححه الألباني).
وَيُشْرَعُ قِرَاءَتُهَا كُلَّ لَيْلَةٍ إِذَا أَوَى الْمُسْلِمُ إِلَى فِرَاشِهِ، قِرَاءَةَ تَدَبُّرٍ وَتَأَمُّلٍ وَتَجْدِيدٍ لِلإِيمَانِ، وَاسْتِذْكَارٍ لِلتَّوْحِيدِ؛ لِيَحْصُلَ الْعَبْدُ عَلَى الأَثَرِ الْعَظِيمِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى قِرَاءَتِهَا، وَمِنْ ذَلِكَ مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي قِصَّةِ أَسِيرِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وَالْقِصَّةُ طَوِيلَةٌ، وَفِي تَمَامِهَا قَالَ لَهُ الأَسِيرُ -وَهَوَ شَيْطانٌ رَجِيِمٌ -: دَعْنِي أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا، قَالَ: مَا هِيَ؟ قَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ (اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)[البقرة: 255]، حَتَّى تَخْتِمَ الْآيَةَ؛ فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلَا يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ، فَسَأَلَ النَّبِيَّ -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ- عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: “أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ”.
اعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَسْرَارِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ: أَنَّهَا حِرْزٌ مِنَ الشَّيْطَانِ كَمَا فِي قِصَّةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مَعَ الْغُلاَمِ الَّذِي أَمْسَكَهُ، وَكَانَ يَأْخُذُ مِنْ تَمْرِهِ، فَقَالَ لَهُ: أَجِنِّيٌّ أَمْ إِنْسِيٌّ؟ فَقَالَ: بَلْ جِنِّيٌّ… قَالَ: مَا يُجِيرُنَا مِنْكُمْ؟ قَالَ: تَقْرَأُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ (اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)[البقرة: 255]، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: إِذَا قَرَأْتَهَا غُدْوَةً أُجِرْتَ مِنَّا حَتَّى تُمْسِيَ ، وَإِذَا قَرَأْتَهَا حِينَ تُمْسِي أُجِرْتَ مِنَّا حَتَّى تُصْبِحَ، قَالَ أُبَيٌّ: فَغَدَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: “صَدَقَ الْخَبِيثُ”(رواه النسائي، وصححه الألباني).