قراءة في قصة الأطفال “الّسلحفاة العجيبة” للأديبة المقدسيّة نزهة أبو غوش
بقلم / هناء عبيد
السّلحفاة العجيبة قصّة للأديبة نزهة أبو غوش، موجّهة إلى أطفال المرحلة الابتدائيّة.
اختارت الأديبة عنوان القصّة ليكون جاذبًا للأطفال، حيث الدّهشة الّتي تثير شغفهم وتشجّعهم على القراءة للتّعرف على سبب نعت السّلحفاة بالعجيبة.
تدور أحداث القصّة حول سلحفاة تذهب برفقة أخيها الغيلم؛ للتّنزه بين الأعشاب والصّخور، وتحت الأشجار، وفي الطّريق تخبر أخاها عن خجلها من شكلها ومن مشيتها البطيئة، وأمنيتها بأن تكون مثل صديقتها السّحلية؛ كي تستطيع تسلّق الجدران والأشجار، وقد عزّت سبب ذلك إلى قوقعتها الّتي تحتويها، ثم تخبر أخاها عن رغبتها بالتخلّص من قوقعتها، الأمر لم يعجب أخاها، لهذا حاول أن يثنيها عن تنفيذ رغبتها، لأنّ قوقعتها حسب رأيه هي جزء من جسمها وتقوم بحمايتها من الأخطار كالبرد والحرّ والحيوانات المفترسة، وكلّ شيء ضار. ترفض السّلحفاة نصيحة أخيها وتطلب منه أن يساعدها في التّخلّص من قوقعتها، لكنّه لا يستجيب لها. لم تستمع السّلحفاة إلى نصيحة أخيها وقامت بحشر نفسها بين صخرتين قريبتين من بعضهما، ثمّ أخذت تشدّ نفسها بشدّة عدّة مرّات حتّى استطاعت أن تتخلّص من القوقعة، لكنّها تشعر بالنّدم بعد ذلك، ويحاول أصدقاؤها مساعدتها حتى تستطيع العيش بأمان.
القصّة ذات أهداف متعددة، فيها دعوة إلى الأطفال لتقبّل أجسامهم وأشكالهم وكلّ ما وهبه الله لهم، كما تحثّهم على التّفكير في كلّ جزء من جسدهم ليتعرّفوا على فائدته، وتبيّن لهم أنّه من الصّعب التّخلي عن أيّ عضو للجسم لأنّ ذلك سيعرّضهم إلى الخطر، وسيلحق بهم الضّرر.
ولعلّ الأطفال بحاجة إلى مثل هذه القصص الّتي تعزز لديهم القناعة بما وهب الله لهم، فهم يتعرّضون إلى غزو إعلامي فتّاك، ويتشرّبون مبادئ هدامة في كلّ وسائل التواصل الاجتماعية الّتي طغت على تفكيرهم، إذ إنّ الكثير من هذه الوسائل الإعلاميّة تحاول ترسيخ أفكار هدّامة في ذهن الطّفل، منها على سبيل المثال فرض معايير للجمال، وأنّ من يخرج عن هذه المعايير فإنّه يندرج تحت نعت القبيح، وقد يتعرّض للتنمّر، هذه الفكرة بدأت تتعمّق في وعي الأطفال، لدرجة أنّ البعض منهم بدأ يدّخر مصروفه لإجراء عمليّات تجميل في المستقبل، فهم لا يعتبرون أشكالهم تتماشى مع معايير الجمال، وهذه من أخطر المواضيع الّتي تسيطر على الميديا والّتي وجدت رواجًا وقبولًا كبيرًا بين كلّ الفئات العمريّة بما فيها الأطفال، وهي ظاهرة خطيرة أضرارها كبيرة سواء من النّاحية الجسديّة أو النّفسية، ومن الواجب على الآباء والأمّهات التنبّه إلى هذه الأمور لمدى خطورتها حاضرًا ومستقبلًا.
أيضا القصّة تزخر بالمعلومات الوافرة عن السّلحفاة منها مثلًا؛ بيئتها، وفائدة القوقعة الّتي تختبّئ فيها، فالقوقعة أبدع الله في خلقها لتحمي السّلحفاة من البرد والحرّ والحيوانات المفترسة وكلّ ما هو ضارّ بها، وقد لفتت هذه الملاحظة انتباهي، إذ لم أكن أعلم كيف تواجه السّلحفاة الحيوانات المفترسة من خلال قوقعتها، فقد كنت أظنّ بأنّ الحيوانات المفترسة الكبيرة يمكنها ابتلاع السّلحفاة مع قوقعتها، هذا الأمر حثّني على مشاهدة بعض الفيديوهات الّتي يظهر من خلالها مدى أهميّة القوقعة للسّلحفاة، حيث أنّ الحيوانات المفترسة تستهجن شكل القوقعة، بل وإنّ بعضها يخاف الاقتراب منها.
أيضا شملت القصّة بعض المعلومات الّتي تزيد من موسوعة إدراك الطّفل، مثل أماكن سكن الحيوانات كالجحر، وعمليّة تقشير الأفعى لجلدها.
كذلك بيّنت القّصة مدى أهميّة التّعاون بين الأصدقاء لإيجاد الحلول الممكنة، وحثّت على التّفكير وذلك من خلال اقتراح خيارات متعددة لمساعدة السّلحفاة؛ فهناك من اقترح الصّندوق الخشبيّ، وهناك من اقترح القماش وغيرها من الخطط.
تميّزت الأديبة بالخيال الخصب كما هو واضح في القصّة، حيث الفكرة المتفرّدة الّتي أدرجتها والّتي تمثّلت بكره السّلحفاة لقوقعتها، كذلك استغلال الكاتبة طبيعة بطء السّلاحف كأحد العيوب الّتي ارتكزت عليها لتكون سبب تذمّر السّلحفاة على قوقعتها، أيضًا عمليّة خلع السّلحفاة لقوقعتها بين الصّخرتين، كان أحد الدّلائل على سعة خيال الكاتبة.
عنصر التّشويق كان طاغيًا، بحيث يجعل القارئ متفاعلًا مع الحدث إلى النّهاية، وهو بلا شكّ من العناصر المهمّة الّتي يجب توفّرها في قصص الأطفال، أمّا لغة السّرد فقد كانت متينة ومتقنة وانسيابة، وجاءت سهلة لتتناسب مع الفئة العمريّة الموجّهة إليها، المفردات كانت غنيّة وأضافت ثراءً إلى قاموس مفردات الأطفال، من هذه المفردات، الغيلم، قوقعة الّسلحفاة، وغيرها.
من ضمن الملاحظات الّتي أثارت انتباهي، وجود الأفعى من ضمن الأصدقاء الّذين ساعدوا السّلحفاة لإيجاد الحلّ البديل لقوقعتها، فهل كان اختيار الأفعى مناسبًّا، ومقنعًا؟ ربما كان من الأفضل استبدالها بحيوان آخر أكثر لطفًا، فالأفعى كما نعلم تتصف بالخبث وهي شعار للمكر والشّر والأذى، ولا يمكن أن نلتمس منها الخير، لعلّ للأديبة رمزيّة معيّنة من اختيارها الأفعى. كما ورد في القصة أن صوت الأفعى يسمّى”ثغاء” بينما الصحيح هو “فحيح”
السّلحفاة العجيبة؛ قصّة متكاملة العناصر، تناسب عمر أطفال الابتدائيّة، تضيف ثراءً وقيمة إلى مكتبة الطّفل.