ما هي السّعادة؟
بقلم / فاتن يعقوب
أحدّث نفسي وأسألها: ما هي السّعادة؟
أعلم منذ صغري أنّ السّعادة ليست حالة يعيشها المرء بشكل دائم وإن كانت تبدو كذلك عند الاطفال. ليس كلّ الأطفال، فبعضهم قد تظهر عليه علامات الحزن في سنّ صغيرة جداً. هو ذلك الطفل الذي لا يضحك بسهولة وخاصة في الصور المدرسية. هو الطفل الذي يختلف جداً عن أقرانه. ليس في الشكل أو اللون بل في اهتماماته وهواياته وحديثه وأسئلته. هو الطفل المنفرد والمتفوّق في غالب الأمر. وهو الذي يملك روحاً تنافسيّة بشكل كبير ومقلق أحياناً. هو الطفل الذي يحصل على ما يريد ولكن بصعوبة بالغة. لماذا؟ لأنّه يريد ما يريد بالطريقة التي يريد. والغريب في الأمر هو أنّه حتى عندما يحصل على ما يريد بطريقته، تظهر عليه علامات الفرح لا السعادة. فرح الإنتصار والتفوّق لا السعادة التي تملأ عيون زملائه عند رؤيتهم لأمهاتهم مثلاً او لآبائهم لحظة لقائهم آخر النهار عند مغادرة المدرسة. قد يتغيّب زملاؤه يوماً أو يوميْن عن الدراسة بسبب الزّكام أو أي مشكلة أخرى وقد يعودون إلى الصّف بروح إيجابية عطشة لكلام المعلّمة ولرائحة الشتاء في ملعب المدرسة. قد ينسى زملاؤه كتاباً أو دفتراً في البيت وقد يؤنّبون من المعلّمة أو المدير وبعدها ينسون ذلك أيضاً. قد يقع زميله على الأرض في حصّة التربية البدنية ويطلب المساعدة للنّهوض ويشكره هو نفسه لمدّ يد المساعدة. لكن ذلك الطفل يختلف بشكل كبير عن كل هؤلاء. إن تغيّب عن المدرسة بسبب عارض صحي، فسيعود إلى الصّف مع كل الملاحظات المدوّنة التي حضّرتها له معلّمة الصّف وأرسلتها مع والده أو والدته للمنزل حتى لا تغيب عنه أي معلومة مهمة أو غير مهمة. وسيعود وهو يرفع يده ليجيب عن كلّ الأسئلة وخاصة تلك التي كان غائباً عنها. وهو ذلك الطفل الذي لا ينسى كتاباً أو دفتراً في البيت وبالطبع لا يؤنَّب. وهو أيضاً الذي لا يقع أرضاً إلا إذا “غدره” أحد زملائه. حينها قد يستاء أكثر وقد يذرف الدموع ألماً أو حزناً. لكنّه لا يتألّم من فعل قوة الوقوع على الأرض ولا مِن “غدر” زملائه ولكن لأنّه لم يتعرّف على معنى أو معاني السّعادة. لم يختبر حضناً دافئاً حقيقياً، لم يعرف أنّ مشاركة المعرفة هي كمشاركة الطعام على مائدة واحدة، لم يتعلّم الفرق بين قوة الرأي وتسلّط الحجّة، لم تر عيناه إلا دمع الضّعف نتيجة الظلم ولم تسمع أذناه إلا كلام اليأس أو الاستقواء. لم تتفتّح مخيلته إلا على عوالم رماديّة لا تشبه قصص الأطفال الخيالية بشيء إلا بطابع الخيال. لم يعتمد مرة على صدف الحظ ولا على مشيئة القدر. لم يعرف في الطبيعة ألوانها وسحرها بل عرفها مساحة للتحدي والتنافس والفوز. لم يكتشف الصّداقة بين زملائه في المدرسة أو حتى مع أولاد جيرانه. لم يمسّه إطراء من زميلته ولم يشعر بخجل الصبية الطبيعي. لم يعرف صورة أو مذاق أو نكهة أو رائحة أو دفء أو حلم الحب وأطيافه وتجربة الإحساس بكل أشكاله. أجل، السّعادة ليست حالة دائمة ولا حتى عند الأطفال. ولا السّعادة هدف يسعى الكبار بكل جهد وتعب وتضحية للوصول إليه. السعادة هي ابتسامة الطفل في عينيه وهو يستيقظ، هي فنجان قهوة نستمتع مع صديق لم نره منذ سنين، هي عبارة نقولها بدون تفكير وتذكّرنا بوجه من نحب ونشتاق إليه، هي أن نغمض عيننا لدقائق ونفيق بعدها وراحة الكون تملؤنا، هي برهة يتوقف فيها الوقت لنصبح بعدها أكثر حمداً وأجمل روحاً.