بقلم / سلوى مرجان
آمنة خالد ، يدللونني ب(موني) ، أبي من أثرياء القاهرة ، أنا فتاة على أربعة ذكور ، أنا أصغرهم ، تميل أمي للذكور وأحظى أنا بحب أبي ، لدي شعر طويل أشقر كالذهب ، يأتي أبي لي بأفضل الزيوت من الهند و تأتي ماشطة أسبوعيا لتصنع لى حماما للزيت .
بالطبع يغار أخوتي مني و يقول أخي الكبير دائماً : ستفسدها بهذا الدﻻل .
فيرد أبى : الابنة فرحة أبيها ، عندما أكبر لن يخدمني غيرها ، أما أنتم فستجلسون تحت أقدام زوجاتكم .
فيعترضون على كلامه و يثورون فيكون رده أن يشير إلى قدميه ، فأجري و أجلس عليها و يمشط لى شعري بيديه.
أبى كان رجلا سخيا ، بيتنا مفتوح للجميع ، و الوﻻئم تقام أسبوعياً.
كان ﻷبي صديق يحبه كثيراً، له ابن يكبرني بعامين يدعى (ثابت) كنت وقتها فى الثامنة، و كان الرجل كلما أتى و ابنه يناديني أبي كي أجلس على قدمه و يتباهى بي أمامهم قائلا أني أجمل و أحن ابنة فى الكون …..و ذات مرة عندما أتوا خرجت أنا و ثابت إلى صحن الدار لنلعب ، فقال لي ثابت وهو يقترب من شعري : هل هو شعر حقيقى؟
قلت له و أنا أبتعد عنه فى خيلاء : بالطبع .
فما كان منه إﻻ أن اقترب بسرعة وشد شعري بقسوة وهو يصيح : سنعرف .
أطلقت صراخا ملأ البيت كله ، و أذكر وقتها أن أباه لطمه على وجهه و اعتذر بشدة ، و بعدها بشهر جاء و بيده أكبر زجاجة زيت معصور على البارد أتى بها من القدس ……و مضت الأيام و أبي يفتح البيت للجميع و يدللني و يؤثرني على أخوتي و أمي تدافع دائماً عنهم و تردد كلامهم أنه سيفسدني ……إلى أن دارت الأيام كما تدور علينا جميعاً وتوالت الخسائر على أبي الواحدة تلو الأخرى و ذات يوم كان عائداً في وقت متأخر و كان الجميع قد نام ، لكنني كنت قلقة عليه وم أستطع النوم إﻻ برؤيته ، فتح الباب و ارتمى على الأريكة و لم يلمحني ، ثم وضع وجهه بين يديه و أجهش بالبكاء ، اقتربت منه و وضعت يدي على كتفه فانتفض ومسح دموعه بسرعة ، فقلت له و أنا يعتصرني الألم : ﻻ تبك يا أبي ، أنت أكبر من البكاء .
فنظر لى من بين دموعه و قال : لقد ضاع كل شىء ، ورفض الجميع إقراضي ، رغم أنني لم أبخل على أحد يوماً ، الآن يتملصون مني جميعهم .
حاولت أن أواسيه لكن حزنه و خيبة أمله فى الجميع كانت فوق احتماله ، أخيراً دخل لينام ، و فى الصباح لم يستيقظ كعادته ، فانتظرت أمى حتى الظهيرة ثم ذهبت لتيقظه لكنه كان يحرك عينيه فقط دون كلمة ، و عندما أتى الطبيب أخبرنا أنه أصيب بشلل كلي …..نقلناه للمشفى و باعت أمى بعضاً من ذهبها ، ثم نصحها أخوتي بالتوقف ، فحالة أبى لن تتحسن كما يقول الأطباء …..و عندما قرروا إخراجه من المشفى لضيق ذات اليد ، أعطيت ﻷمي خاتمي و إسورتي و قلادتي الذهبية و توسلت إليها أن يبقى ، لكن أخي الكبير أخذهم من أمي و هو يصيح : كفاكم سفها ، أﻻ تدرون المصائب التي ستلاحقنا بعد اليوم .
و وضع ذهبي فى جيبه و عدنا جميعاً للبيت ……كنت أجلس بجوار أبي طيلة اليوم بعد رجوعي من المدرسة ، أقرأ له كتبي و أذاكر بجواره ، لم تتطور حالته لكني كنت أرى الفرحة فى عينيه إذا ما جلست إليه ، و ﻻ أتركه إﻻ عندما ينام .
أخيراً لم نعد قادرين على الإستمرار ، كل الذهب تم بيعه ، جميع أخوتي ما زالوا يدرسون ، ناهيكم عن دواء أبي … فقررت أمي بيع بعض من أثاث البيت ….. يأتي المسؤول و تبدأ المفاوضات مع أمي و أخي الكبير حتى توصلوا لسعر مناسب لغرفتي السفرة و الصالون ، و أثناء خروج المشتري من بيتنا لمحني ، فعاد و ابتسم لي قائلا و هو يضع يده فوق رأسي : ما اسم ابنتنا الجميلة؟
قلت باسمة : موني
فأمسك بخصلات شعري و سألني : هل هذا شعر حقيقي ؟
عدت أقول لكن ليس بخيلاء ككل مرة : بالطبع يا عمي .
فنظر ﻷمي الواقفة بجواره و قال : سأدفع ثمناً جيداً به إن أردتم .
فصرخت به و الدموع تتقاطر من عيني : مستحيل ، لقد كلف أبي الكثير ، لن أبيعه .
فتدخل أخي فى الحوار و هو يوجه كلامه لي : المال الذى بعنا به الغرف سنصرفه فقط على البيت و الطعام و لن يكفي لأكثر من ذلك ، إن بعت له شعرك سنحصل لأبيك على الدواء ، و سنوفر مال الزيوت التي أثقلت كاهلنا .
لم يكن لدى خيار ، فى اليوم التالي أتى الرجل بحلاق و قص شعري إلى آخره ، و صرت كصبي أقرع ، خفت أن أدخل على أبي بتلك الهيئة ، فكنت أضع طرحة فوق رأسي كلما جلست إلى جواره، و كانت نظراته الحائرة تؤلمني وأعلم أنه يريد أن يسألني عن سبب غطاء الرأس ، لكنني كنت أثرثر و أروي له القصص حتى أصرف فكره ……و ذات يوم كنت أتعارك مع أخي الأكبر فدفعني بقوة فارتطمت بباب حجرة أبي فانفتح الباب و وقعت على الأرض ، جاءت أمي مهرولة و أمسكت بيدي ﻷقوم و هى تعتب على أخي ، و عندما وقفت و نظرت ﻷبي رأيت نظرة هلع لن أنساها ما حييت ، اقتربت منه و أنا ﻻ أدرك سبب تلك النظرة و قلت بحنان : لقد كان يضحك معي ، لم نكن نتعارك .
فنطق بكلمتين فقط و هو ينظر لرأسي الذي وقع الغطاء من فوقه : أين شعرك؟
و رحل إلى هناك حيث لا وجع.