بقلم / أحمد عبد الحليم
مما لا شك فيه أن العلم لا ينفذ والأفكار لا تموت، ودائمًا ما نبحث على كل جديد ومفيد يُثري حياتنا ومجتمعنا بالأفكار العميقة والمعلومات القيمة، خاصة في وقت الأزمات وصدق من قال إن “الحاجة أم الإختراع”، فمن هذا المنطلق حرصت مصر على التصدي لخطر التغيرات المناخية في أمور عديدة لمنع أي خطر من الممكن أن يقع على الإنسان، ومن بينهم إطلاق المبادرة الوطنية “اتحضر للأخضر”، والتي تُعد أول حملة وطنية لنشر الوعي البيئي في مصر إتساقًا مع جهود الحكومة للتحول نحو الاقتصاد الأخضر، وبين سطور هذا المقال سنتعـرف على الإجراءات التي تقوم بها الدولة المصرية لضمان استدامة حياة طبيعية، بالتصدي لتداعيات التغيرات المناخية والتخضير لزراعة الأخضر حفاظًا على حقوق الأجيال القادمة.
نلاحظ في السنوات الأخيرة الماضية، أن هناك محاصيل زراعية ونباتات اختفت من حياتنا، وذلك نظراً لتأثرها السلبي بتغير المناخ وتداعياته على البيئة والأراضي الزراعية، فكان ينبغي حماية الكوكب من التغير المناخي بالتصدي لتداعياته حافظا على حقوق الأجيال القادمة بعودة البيئة لطبيعتها، والحفاظ على الأمن الغذائي في البلاد، وذلك من خلال المبادرة الوطنية “اتحضر للأخضر” التي بدأت منذ عام 2019 في إطار الإستراتيجية القومية للتنمية المستدامة “مصر ٢٠٣٠” تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأطلقتها وزارة البيئة، ومستمرة حتى الآن والتي تستهدف تغيير السلوكيات الفردية ونشر الوعي البيئي وحث المواطنين وخصوصًا الشباب، على المشاركة في الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وسلامة الأمن الغذائي في الحاضر والمستقبل، وذلك إستعداداً لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ” cop27″والتي تستضيفه مصر في شرم الشيخ من 6 نوفمبر إلى 18 نوفمبر القادم.
شملت هذه المبادرة ثلاث مراحل، الأولى تستهدف العمل على تغيير السلوكيات الفردية وحث المواطن على المشاركة في الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية لضمان استدامتها حفاظًا على حقوق الأجيال القادمة، والمرحلة الثانية تستهدف تعريف الناس بالمحميات والثروات الطبيعية بمصر وإدارتها وفق المستويات العالمية بما يضمن الحفاظ على توازن النظم الإيكولوجية وتنوعها البيولوجي، مع تعظيم فرص التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكيفية التعامل مع المخلفات الإلكترونية والإدارة الذكية لها، أما المرحلة الثالثة من المبادرة خاصة بتغير المناخ، وتعتمد على مواصلة جهود وإجراءات مواجهة تلوث الهواء، منها أنشطة تحسين جودة الهواء ودعم وسائل رصد نوعيته، وتدعم الحملة الاقتصاد وزيادة التنافسية وخلق فرص عمل جديدة، مع وفاء مصر بالتزاماتها الدولية والإقليمية تجاه الاتفاقيات الدولية.
كما يتم من خلال هذه المبادرة، تسليط الضوء على دور الشباب في الحفاظ على البيئة وصون الموارد الطبيعية والعمل على دمجهم بشكل أكبر في العمل البيئي، ودعم وتعزيز الهدف الرقمي الذي تم وضعه لأول مرة في إطار الاستراتيجية القومية للتنمية المستدامة “مصر”2030″، والتي تهدف لخفض التلوث بالجسيمات الصلبة بنسبة 50% بنهاية عام 2030، وتم زيادة عدد محطات الرصد بالشبكة القومية لرصد نوعية الهواء المحيط 102 محطة ومن المستهدف الوصول إلى 120 محطة بحلول عام 2030 موزعة على جميع المناطق المختلفة بالجمهورية، كما وقعت البيئة مع التعليم العالي والبحث العلمي بروتوكول تعاون لدمج المفاهيم البيئية في المناهج التعليمية.
في إطار جهود الدولة المصرية بالاهتمام بملف تغير المناخ، وتزامناً مع الدورة الـ 27 لمؤتمر تغير المناخ COP27، تم إطلاق المبادرة الرئاسية لزراعة 100 مليون شجرة والتي تستهدف 9900 موقع فى أنحاء المحافظات المصرية على مساحة تصل إلى 6600 فدان صالحة لتكون غابات شجرية أو حدائق، وتوفير الشتلات الزراعية اللازمة، حيث تقوم وزارة البيئة بالتنسيق مع المحافظات للإسراع في تنفيذ المبادرة الرئاسية والتي يتم تنفيذها على مدار 7 سنوات، اعتبارا من العام المالي الحالي، وتساهم الوزارة خلالها بزراعة 79,7 مليون شجرة، وتستكمل وزارتا البيئة والإسكان والمجتمعات العمرانية الجديدة، زراعة 20,3 مليون شجرة، وفقا للأعداد المقررة لكل منها، وعلى سبيل المثال وليس الحصر تم تشجير ميدان تريومف بمصر الجديدة بمحافظة القاهرة بمشاركة عدد من الجمعيات الأهلية، إلى جانب زراعة 700 شجرة بطريق ترعة الإسماعيلية في شبرا الخيمة، هذا بخلاف زراعة الأشجار المثمرة بأحياء وميادين عديدة منها بمحافظة المنيا بصعيد مصر، وتوزيع 3 آلاف شجرة على الوحدات المحلية ببني مزار، بالتنسيق بين كافة الجهات لتشجير الطرق الرئيسية والفرعية والصحراوية، وديرمواس تزرع 981 شتلة، وتم زراعة 600 شجرة توت بمدارس رأس غارب، هذا بخلاف زراعة أشجار الزيتون بداية بـ200 شتلة في مراكز شمال سيناء، وغيرها من العديد من المحافظات المصرية التي عنيت بالتحضير لزراعة الأخضر في مصر، وذلك في إطار مواجهة قضية التغيرات المناخية.
كل ذلك وأكثر من جهود مبذولة من الدولة المصرية بالتعاون والتنسيق ما بين وزارة البيئة والإسكان والمحليات مع المحافظات، للتصدي إلى خطر تداعيات التغير المناخي على الطبيعة ولأمن الغذائي المتمثل في الزرع الأخضر، حيث أن تغير المناخ ليست بعبارة عابرة نرددها وننتظر تقليل تداعياتها، ولكن لابد أن نستشعـر خطورة الأمر الذي يهدد كل جوانب الحياة وبقاء الإنسان على الكوكب، فلابد أن يكون كل فرد مسئول عن هذه المسألة بالدفاع عن أمنه الغذائي والحفاظ على الأجيال القادمة، والتصدي لأي مخاطر تهبط علينا في أي وقت وكل مكان، وكذلك تغيير سلوكنا في استهلاك الموارد البيئية مثل الكهرباء والمياه ونعتمد على وسائل نقل قليلة الإنبعاثات، وأن نحدد إحتياجتنا من الموارد الغذائية في محاولة عودة الطبيعة لطبيعتها.
وفي الحديث أن رسول الله “صلى الله عليه وسلم” قال: “إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فَسيلَة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها ” أخرجه البخاري.
من خلال ما سبق يتضح لنا أن مبادرة “اتحضر للأخضر” وما تقوم به الدولة المصرية الآن في زراعة الأشجار أمر ضروري في الحياة, فيجب الاستمرار والاستدامة في زراعة الأخضر للتغلب على هذه التداعيات ، ويتم الحفاظ على حقوق الأجيال القادمة، وعلى المواطن مساعدة الدولة ولو بجزء بسيط لحماية الأرض الخضراء من خطر التغير المناخي، ولابد أن يشارك المواطن بدوره مع مجهودات الدولة حتى تعود الطبيعة لطبيعتها، لأن الحفاظ على البيئة مسئولية الجميع ومساعدة الدولة أمر ضروري على كل مواطن مصري لديه إنتماء للوطن، خاصة في وقت الأزمات ومواجهة تداعيات التغير المناخي التي من الممكن أن تهدد كوكبنا لا قدر الله.