بقلم / أحمد عبد الحليم
بطبيعة الحال لا تستطيع أي دولة أن تدير حياتها بدون صناعة، لأنها أساس للتنمية وإتاحة الإمكانات للشعوب لمواكبة العصر بالارتقاء والتطوير التكنولوجي، وإحداث مجالاً واسعاً للمنافسة بالأجود التي تبرز التميز بين الدول بعضها البعض، كما أنها تحفز المجالات الاستثمارية والتصدير والاستيراد، مما يكون له الأثر الإيجابي على الاقتصاد والدخل المالي للدول، كل ذلك وأكثر سيتحقق في مصر من خلال فلسفة الجمهورية الجديدة، خاصة بعد إطلاق مبادرة “ابدأ” لدعم توطين الصناعات الوطنية للاعتماد على المنتج المحلي وتقليل الواردات، وفي سطور هذا المقال سنتعـرف على هدف هذه المبادرة ودورها، لدفع قطاع الصناعة في مصر إلى آفاق جديدة لكي تكون مركزًا إقليميًا للصناعة العالمية.
إن الهدف من هذه المبادرة في المقام الأول، كان لمواجهة الأزمات الاقتصادية العالمية ودفع عجلة الاقتصاد والإنتاج وصناعة منتج مصري فائق الجودة، خاصة وأن مصر واعدة بكل خير ولديها فرصة حقيقية لتصبح واحدة من أهم الدول الصناعية على مستوى الشرق الأوسط وأفريقيا والعالم أجمع، بما تملكه من مقومات طبيعية وبشرية لتحقيق هذا الهدف الذي سيجني ثماراً إيجابية للأجيال القادمة في المستقبل، وعلى ذلك أصبح الهدف من هذه المبادرة هو توطين الصناعة المصرية الحديثة وتطويرها، وتقليل فجوة الاستيراد وتهيئة العمالة لاحتياجات سوق العمل.
كما تتكامل أهداف هذه المبادرة مع الأهداف الوطنية للدولة المصرية، والتزاماتها الدولية وجهودها نحو تحقيق التنمية المستدامة من الناحبة الاقتصادية والاجتماعية، وتوفير حلول الطاقة النظيفة لتلافي تداعيات التغير المناخي، ولديها عقول واعية تعمل على الابتكار في المجال الصناعي، والاستهلاك والإنتاج بشكل مسئول، إلى جانب تعزيز دور القطاع الخاص الوطني في توطين العديد من الصناعات الكبرى والمتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغـر في مصر مع تقديم عدد من الحوافز في صورة أراضي بحق الانتفاع وإعفاء من الضرائب لمدة خمس سنوات، علاوة على تقديم أوجه الدعم اللازم لتقنين أوضاع المخالفين، وتقديم الدعم الفني والمادي للمتعثرين، كل ذلك وأكثر بما يعني إنها مبادرة وطنية لدفع قطاع الصناعة في مصر إلى آفاق جديدة.
بلا شك إن هذه المبادرة خطوة هامة تحقق طفرة في الصناعة المصرية الحديثة، خاصة بعد أن نالت الاهتمام الكبير بعد تجديد دعم الرئيس عبد الفتاح السيسي، للصناعة والتنمية ومشاركة القطاع الخاص، والذي دعا إلى مزيد من التسهيلات لاستخراج تراخيص المشروعات الصناعية، كما وجه بمنح «الرخصة الذهبية» لجميع المستثمرين المتقدمين لمدة ثلاثة شهور، وهذه الرخصة تستلزم موافقة واحدة على إقامة المشروع وتشغيله وإدارته بما في ذلك تراخيص البناء، وتخصيص العقارات، ويجوز منحها للشركات بقرار من مجلس الوزراء، وطبقاً لقانون الاستثمار يجوز منح الرخصة الذهبية للشركات التي تؤسس لإقامة مشروعات استراتيجية أو قومية تسهم في تحقيق التنمية المستدامة وفقًا لخطة التنمية الاقتصادية للدولة.
وتظهر بشائر الخير في تطوير الصناعة المصرية بالعديد من الخطوات الجادة، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، ما شهدت مصر من فعاليات المعرض الدولي الأول للصناعة، والذي نظمه اتحاد الصناعات المصرية، ويشمل المعرض عددًا من الأجنحة الضخمة للصناعات المتنوعة، وعلى رأسها قطاع الصناعات الهندسية وصناعة الآلات والمعدات والماكينات، وتم استعراض مشروعات المبادرة بهذا المعرض في مجالات صناعية عديدة منها مجال صناعة التكييف، والخامات الدوائية والمعدات الثقيلة، بمكونات محلية تتراوح بين 45% و70%، مما يشير إلى تطور ملحوظ في النسب المحلية المصرية، يمكن لها أن تتضاعف بعد التوسع في هذه المشروعات، حيث أن هذا المعرض كان فرصة لاستعراض المشروعات التي تدخل ضمن مبادرة «ابدأ» لدعم الصناعة والمشروعات، والتي تشارك فيها عشرات المصانع والشركات للمساهمة في تشجيع وتنفيذ أكبر عدد من المشروعات الصناعية ذات القيمة المضافة المرتفعة، وتمكين القطاع الخاص بالتكامل مع جهود الدولة لخلق كيانات اقتصادية قوية قادرة على المنافسة عالميًا، والمساهمة في القضاء على البطالة بتوفير فرص عمل للشباب، إلى جانب تضاعف الإنتاج المحلى وتوسع فرص التصدير، مع توفير الموارد الأجنبية، ويتوقع أن تضيف استثمارات جديدة لقطاع الصناعة بقيمة تزيد عن 200 مليار جنيه.
من المؤكد أن الاهتمام بملف التصنيع الوطني أمر ضروري وطال إنتظاره، ولكن عندما يحمل هذا الاهتمام محمل الجد ويخطو أولى خطواته على طريق النجاح خلال الفترة الحالية، فذلك شيء مبشر بكل خير، خاصة وأن مبادرة «ابدأ» لدعم توطين الصناعة المصرية الحديثة، جاءت في وقتها بما يتناسب مع فلسفة الجمهورية الجديدة بكل مرونتها وتطورها مع تقديم الحلول المناسبة والمنطقية لتطوير الصناعة المصرية بطرق حديثة، مما يؤكد أن هذه المبادرة تُعد سباق للزمن وبفكر عميق واعي وخطوات غير تقليدية، كل ذلك وأكثر لكي تعـود بالعائد المادي والمعنوي على المصريين كافة، خاصة وأن هذه المبادرة جاءت بتدعيم رئاسي وسيتم الانتهاء من تنفيذها في أقرب وقت ممكن ومن خلال أصحاب الفكر العميق وحيوية وتطلعات الشباب، وعلى ذلك فلزاماً على الجميع بالسير قُدماً لدعم وتشجيع الصناعة المحلية والارتقاء بها، لدفع قطاع الصناعة في مصر إلى آفاق جديدة.