بقلم /عماد حمدي
يجلس بهدوء علي أخر مقعد في الميكروباص، يدفن وجهه كالعادة في النافذة هروباً من ضجيج الاحاديث والكلام المستفز ،ينظر في ساعته وهو يتمني أن يمتليء الميكروباص بسرعة فلديه يوم مشحون بالالتزامات.. يشعر بتيار من الهواء الساخن يلفح وجهه وهبوط مفاجيء للسيارة يعقبه رؤية سيدة بدينة برفقة أولادها تمليء المقعد الشاغر بجواره ،ينطلق الميكروباص لا يلوي علي شيء،يبدأ صياح السائق المعتاد علي الاجرة يناول الراكب أمامه الاجرة ويلصق وجهه في نافذة السيارة.
يرن موبياله حاملا صوت زوجته يشدو بقائمة مطالب ،يرتفع طنين الاحاديث داخل الميكروباص وتتداخل المناقشات بين شكوي من صعوبة العيش والاختلاف علي الاجرة ودعوات متبادلة بالويل والثبور بين السائق والركاب ،يراقب المحلات التي يزداد عددها في الشارع والبشر الذين يمشون في وجوم وصمت ويحملون كل قسمات الضيق والتبرم عدا الشباب الصغير الذين لايزال في جعبتهم بعض البسمات الصغيرة ،تزور وجهه ابتسامة صغيرة عندما يبصر الواتس يحمل له رسالة من صغيرته تطلب منه الا ينسي الزبادو بطعم الخوخ الذي تعشقه،يسلم نفسه لنعاس خفيف يقتل به الملل فلا يزال المشوار طويل،يشعر بالفزع وهو يفتح عينيه علي صوت السيدة الملاصقة لها وهي تصرخ في وجهة بنتها التي تناهز الرابعة عشر ليبدأ حديث طويل بين البنت وأمها يعرف كل ركاب الميكروباص من خلاله أن البنت تجاسرت وأنفقت العشرين جنيه التي منحتها لها الام دون أن تبقي شيء.
ترتفع حدة الحوار وتخرج الام ما في صدرها من غضب في صورة سيل من السباب والشتائم يعقبها لطمة من الام في صدر البنت التي تنخرط في عويل مرير،تستبد به رغبة عارمة أن ينبه الأم بضرورة التزام الهدوء لكن يثير أندهاشه
حالة الانسجام والضحكات المتبادلة المفاجئة بين الام وأبنتها يلفه بحبال الصمت ،يخلد إلي النوم لحظات لم تدوم طويلا فقد أنفجرت الطفلة الصغري في بكاء مزعج ،تصرخ الام وهي تلقي بطفلتها الصغيرة في حجر أختها التي تجلس ملاصقة لي وهي تصرخ:”شوفي يا مضروبة أختك بتعيط ليه ؟”
لا تستهلك البنت الكبري وقت كبير فترد بصورة تلقائية :”شكلها عملتها وعايزة تغير ؟”
يصيب الام حالة أرتباك غير متوقع.. لكن ترد وهي ترفع الحرج عن نفسها أمام الركاب الذين بدوأ يرسلون نظرات الأشمئزاز من الرائحة والحديث المثير للغثيان
ما فيش مشكلة قربنا ننزل وده موقف طاريء لازم نستحمل بعض ؟
يلتزم الجميع صمت يعلوه كل أمارات التأفف .
يبدأ في قراءة جريدة لا تفارقه خاصة يوم الجمعة.. يندمج خاصة عندما يصل لمقال فاروق جويدة لكن رائحة غريبة يعرفها جيداً يداهم أنفه يعقب ذلك صراخ راكبة تجلس أمامه :”مش معقول كده يا حاجة كشري في ميكروباص .”
كانت جملة أعتراضية كفيلة بأنطلاق مدفع رشاش من فم هذه السيدة ” نعمل لكم أيه هنموت من الجوع أنا والبت هو ما فيش رحمة .”
تطق هذه العبارة وقد أستعرت كل ما لديها من تحفز ونظرات نارية.. يشعر برغبة عارمة أن ينضم إلي زمرة المعترضين خاصة ,أن معدته علي وشك الانفجار من الرائحة.. يجمع أهداب شجاعته ويطيل النظر إلي هذه السيدة التي تحتل المقعد بلا هوادة وقد أكتسي وجهها بكل صور التحفز والصرامة.. يثير رعبه أنها ترسل إليه سيل من النظرات غير المفهمومة يتبعها سؤال “في حاجة يا أستاذ؟”
ليرد بكل حماس :ابداً صحة وعافية.