إتهامات صينية وعالمية بتعمد تعطيل شبكة الفيس بوك وتطبيقاتها حول العالم لأسباب سياسية وإستخباراتية (بالدلائل والإثباتات)
تحليل الدكتورة/ نادية حلمى
تقول الدكتورة نادية حلمى الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية – أستاذ مساعد العلوم السياسية جامعة بنى سويف
تعرضت شركة “الفيس بوك”، ومديرها التنفيذى “مارك زوكربيرج” للعديد من الأزمات خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذى أدى لإستدعائه للمثول أمام “لجنة إستماع فى الكونغرس الأمريكى”، خاصةً مع ما أشيع من إختراق وبيع خصوصيات وبيانات عشرات الملايين من المستخدمين لشبكة “الفيس بوك” حول العالم. فلقد أشارت بعض التسريبات بأن شركة “كامبريدج آنالايتكا”، حصلت على (بيانات أكثر من ٥٠ مليون من حسابات المستخدمين على موقع التواصل الإجتماعى للفيس بوك دون علمهم، بعد عقد صفقة سرية مع الشركة نفسها لأسباب تجارية ودعائية)، وهو ما ينتهك خصوصية المستخدمين، وقد يؤدى لإنتهاك حقوقهم الإنسانية إذا ما تم إستخدام بياناتهم بشكل غير لائق.
ونجد أن أزمة تعطل شبكة “الفيس بوك” وتطبيقاتها الأمريكية لعدة ساعات، قد تزامن معها العديد من “الإتهامات ونظريات المؤمرات المرتبطة بها”، من قبيل:
أ) أن التعطل جاء متعمداً، لمحاولة شركة “الفيس بوك” العالمية العملاقة (محو بعض الأدلة والبراهين والإثباتات التى تدين الشركة بشكل أو بآخر)، خاصةً مع إستدعاء “مجلس الشيوخ الأمريكى” للسيدة “فرانسيس هاوجين”، والتى عملت سابقاً فى قسم المنتجات فى شركة “الفيس بوك” فى عام ٢٠١٩، إلا أنها تقدمت بإستقالتها على أثر ملاحظتها لأعمال وأنشطة غير قانونية تقوم بها شركة فيس بوك ومسئوليها، وذلك لسماع شهادتها بشأن “الأعمال غير القانونية لشركة الفيس بوك”، وتعريض مصالح الولايات المتحدة الأمريكية نفسها للخطر، والتغاضى عن ألعاب خطرة للأطفال قد تدفع إلى الإنتحار من أجل تحقيق “مكاسب مادية” للشركة، بغض النظر عن أى إعتبارات أخرى.
ب) وعلى الجانب الآخر، بدأت تحليلات متعلقة بنظرية المؤامرة الصينية ضد “شركة فيس بوك” ومديرها التنفيذى “مارك زوكربيرج”، وذلك فى محاولة صينية لإحراج الولايات المتحدة الأمريكية دولياً لفشل منظومة تكنولوجيتها الرقمية الديمقراطية التى تحاول الترويج لها عبر العالم، ولتأكيد نجاح “التطبيقات الصينية البديلة لنظيرتها الأمريكية” فى تفادى تلك الأخطاء التكنولوجية الأمريكية. خاصةً بعد رصد موقع “داون ديتيكتور”
“Down Detector”
والذى تتركز مهمته فى تتبع (أعطال المواقع على الإنترنت)، وتلقيه عشرات آلاف التقارير عن أعطال فى منصات (فيس بوك، إنستغرام، واتس آب، ماسنجر). ولم يتضح على الفور سبب العطل الذى أثر على المنصات الثلاثة.
ورغم تنامى العديد من النظريات والتعليقات بضلوع الصين فى “قرصنة عمل شركة فيس بوك وإختراقها”، إلا أن شركة (فيس بوك) نفسها، قد نفت أية مزاعم بشأن تعرضها للقرصنة الإلكترونية أو وجود أى دليل على تعرض بيانات المستخدمين للإختراق، موضحة سبب العطل الذى ضرب جميع خدماتها وتطبيقاتها بما فيها (إنستغرام وواتس آب)، وسط تنامى العديد من (نظريات المؤامرة) التى إنتشرت حول العالم، وتنامى حدة الشائعات المتداولة ومنها قيام طفل صينى “هاكر” بإختراق شبكة (فيس بوك) بمفرده وتعطيل بيانات المستخدمين.
وبسبب ذلك، فقد أصدر نائب رئيس شركة فيس بوك للبنية التحتية “سانتوش جاناردان”، بيان للشركة قال فيه:
“أن فرقنا الهندسية علمت أن تغييرات الإعدادات على أجهزة الراوتر الرئيسية التى تنسق الحركة بين مراكز البيانات تسببت في مشاكل أدت إلى تعطل هذا التواصل”
ولقد نفى “سانتوش جاناردان”، بصفته (نائب رئيس شركة فيس بوك للبنية التحتية) مسؤلية الصين أو أى أطراف أخرى أو حتى عمليات قرصنة وإختراق وراء هذا العطل، موضحاً فى بيان علنى، أكد فيه للعالم وللمستخدمين، بأنه:
“نريد أن نوضح أنه لم يكن هناك أى نشاط ضار وراء هذا العطل، وسببه الرئيسى كان تغييراً خاطئاً فى الإعدادات من جانبنا، وليس لدينا أيضاً أى دليل على تعرض بيانات المستخدمين للإختراق نتيجة هذا العطل”
ومن هنا، نلاحظ “تزايد الإنتقادات الدولية لشركة الفيس بوك”، ومدى قدرتها على تجنب وحل تلك الإشكاليات التى سببت (خللاً فى أسواق المال والبورصات والأسواق العالمية). وبناءً عليه، ولمحاولة فهم الصورة كاملة، ستحاول الباحثة المصرية طرح كافة الإشكاليات المتعلقة بشركة “الفيس بوك”، وللرد العملى حول أسباب إتهامهم للصين بالأساس بإختراق الشبكة، وذلك على النحو التالى:
-أولاً: حقيقة الطفل الصينى “وانغ تشنغيانغ” المتداولة صورته عالمياً، والذى يعيش الآن فى الولايات المتحدة الأمريكية وليس فى الصين
تابعت الباحثة المصرية تلك الضجة العالمية التى أثيرت بإختراق طفل صينى “هاكر” لموقع الفيس البوك، وتسببه فى هذا العطل العالمى لمحركات البحث الخاصة بالفيس بوك وتعطيل أنشطة العالم، ولكن عند الدخول على محرك البحث الصينى الشهير “بديل موقع جوجل العالمى”، وهو “موقع بايدو الصينى الشهير”
Baidu
سنجد تعريف بهوية وشخصية الطفل الحقيقية، مختلفاً تمام الإختلاف عما تم تداوله عالمياً، وفقاً للأسباب الآتية:
١) حيث أشار “موقع بايدو الصينى” إلى هوية الطفل الظاهر فى الصورة المتداولة عالمياً، بأنها صورة تخص (الهاكر الصينى) المعروف عالمياً (وانغ تشنغيانغ)، والذى يعيش الآن فعلياً داخل الولايات المتحدة الأمريكية لإستكمال دراسته ولا يتواجد فى الصين من الأساس.
٢) والشئ المثير للتحليل هو ما ذكره الموقع الصينى الشهير “بايدو”، بأن الطفل الصينى المتداول صورته عالمياً إسمه (وانغ تشنغيانغ)، وهو (من مواليد عام ٢٠٠١)، أى أنه شاب وليس طفل كما زعمت المواقع المختلفة حول العالم، ويبلغ عمره الآن نحو٢٠ عاماً، والأعجب بالنسبة لى شخصياً، هو أنه “يقيم الآن فى الولايات المتحدة الأمريكية وليس فى الصين”، حيث سافر (وانغ تشنغيانغ) للدراسة فى الولايات المتحدة الأمريكية ليواصل دراسة تخصصه فى (مجال الكومبيوتر والبرمجة ونظم المعلومات).
٣) كما نوه “موقع بايدو الصينى” مشيداً بعبقرية “وانغ تشنغيانغ”، وبأنه كان أحد الطلاب فى مدرسة فى مكتب الأمن العام لبلدية بكين ولجنة التعليم لتنفيذ (مشروع التنوير لأمن الشبكات).
٤) ونجد أن بداية الظهور الفعلى للطفل الصينى (وانغ تشنغيانغ) لأول مرة عالمياً فى (مؤتمر أمن الإنترنت الصينى)، وذلك عام ٢٠١٤، وكان ذلك هو الظهور الأول للطفل العبقرى الصينى (وانغ تشنغيانغ) والذى كان يبلغ من العمر وقتها ١٣ عاماً فقط، كأصغر مخترق فى أنحاء البر الرئيسى للصين.
٥) وعند إتهام الطفل الصينى (وانغ تشنغيانغ) وقتها بإختراق موقع مدرسته وتعريض خصوصية ملفاتها وبيانات الطلاب للخطر، فقد دافع وقتها الطفل (وانغ تشنغيانغ) عن تلك الإدعاءات الموجهة إليه بنفسه، المتمثلة فى إتهامه بإختراق موقع مدرسته وذلك حسب زعمه أو دفاعه وقتها، بأنه:
“كان يقصد فقط المساعدة فى إصلاح موقع الويب الخاص ببيانات مدرسته لمساعدتها وليس للإضرار العمدى بها”
٦) كما أوضح حينها الطفل الصينى (وانغ تشنغيانغ)، بأن:
“موقع المدرسة الذى إخترقه لم يكن لطلاب فى الصفوف الإعدادية، ولكنه لطلاب المدارس الثانوية فى نفس المؤسسة التعليمية”
٧) وربما ما أستوقفنى تحليلياً هو ما أكده الطفل (وانغ تشنغيانغ) وقتها وتشديده على:
“أنه يفضل أن ينظر إليه على أنه مخترق كمبيوتر أخلاقى، ولن يستخدم التكنولوجيا للقيام بأشياء غير قانونية”
ومن هنا، فإن الأمر كله تم تدبيره على النحو السابق المشار إليه كشائعة عالمية، لم يتم تحديد من (المتسبب الأول فى إطلاقها، بشأن شخصية وهوية الطفل الصينى “وانغ تشنغيانغ”)، بل والأخطر عندى (أسباب وتعمد تجاهل حياته الآن داخل الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها وليس فى العاصمة بكين)، والتى درس بها طوال مراحل دراسته الأساسية.
وأعتقد بأنها كلها تساؤلات وإستفسارات مشروعة من جانبى، ومن حق الرأى العام العالمى بأسره أن يفهم، وتلك هى النقطة الأخطر بالنسبة لى، ويتساءل على النحو الآتى:
“لماذا تم تعريضنا جميعاً لعملية خداع حول الهوية الحقيقية للطفل الصينى بتعمد إخفاء عمره الحقيقى وتعمد إخفاء مكان تواجده؟”
– ثانياً: إتهامات مؤسس الفيس بوك “مارك زوكربيرج” ضد الصين، والدفاع الصينى بتعمد شن حرب تكنولوجية وقرصنة سيبرانية ضد عمل شركات التكنولوجيا الأمريكية
نجد أنه فى إطار محاولة “شركة الفيس بوك ومالكها ومديرها التنفيذى “مارك زوكربيرج” الإلتفاف على حجم الخسائر التى تتكبدها الشركة دورياً، فضلاً عن إلصاق العديد من التهم بها نظير تحقيقها مكاسب وأرباح مادية، تعددت إتهامات “مارك زوكربيرج” إلى ة وتطبيقاتها التكنولوجية البديلة، بدعوى (محاولة الصين فرض قوانينها ونظمها وقيمها وأيديولوجيتها الشيوعية على العالم). ورغم عدم قدرة “شركة فيس بوك ولا مؤسسها مارك زوكربيرج” على إثبات صحة إدعاءتهم ضد الصين، إلا أن الجانب الصينى قد بدأ بالرد على “إنتهاكات شركة الفيس بوك ومديرها التنفيذى مارك زوكربيرج” للمعايير الأخلاقية المتفق عليها، وتتمثل أهم الإتهامات المتبادلة بين الجانبين فى الآتى:
١) لا يمكن جزم الأمر بتعمد الصين شن حرب تكنولوجية وقرصنة سيبرانية ضد عمل الشركات التكنولوجية الأمريكية، والتى لم توجه إتهام صريح للصين فى هذا الخصوص. ونجد أن أهم تصريح صدر من “مارك زوكربيرج” مؤسس الفيس بوك ضد الصين، هو إتهامه الصريح لها، قائلاً:
“أن بكين تريد أن تفرض علينا قيمها، ولن نسمح لدولة أخرى بفرض قوانين خاصة علينا على الإنترنت”
٢) كما تأتى الإشارة الثانية ضد الصين، بخصوص ما أشار إليه “مارك زوكربيرج”، بإعتباره الرئيس التنفيذى لموقع “فيس بوك”، وإتهامه الصريح الآخر الموجه إلى الصين، قائلاً:
“هناك ستة من أصل ١٠ مواقع للتواصل الإجتماعى الموجودة اليوم هى صينية بالأساس، وتحاول بكين أن تفرض قيمها علينا، ولا يمكننا أن نسمح لدولة أخرى بفرض قوانين على الإنترنت”
٣) وتعد أول مواجهة حقيقية بين “مارك زوكربيرج” ضد الصين، هو قراره بإنشاء (لجنة مراقبة ورقابة لتحركات شبكات التواصل الإجتماعى الصينية)، ويمكن لهذا الفريق إتخاذ القرار النهائى دون تدخل أى مسؤول آخر. ووجه “مارك زوكربيرج” إتهامات حادة إلى الصين، وتلميحات غير مباشرة بأنها “السبب وراء إستدعائه لجلسة إستماع عاجلة فى الكونغرس الأمريكى”، وذلك منذ عدة شهور، لما أشاعته عنه من “تسييس المحتوى وإشاعة الفوضى والعنف”.
٤) وقد نشر موقع المراقبة الأمريكى الشهير
“whois.domaintools”
(وهو موقع متخصص فى مراقبة المجالات وأصحابها خاصةً على الفيس بوك) إعلاناً ترويجياً، بأن النطاق facebook.com معروض للبيع، بسبب تعرضه لعدة هجمات إلكترونية سابقة.
٥) ونجد تعرض الصين مراراً وتكراراً لهجمات شرسة من المسؤولين والسياسيين الأمريكان عبر موقع “الفيس بوك” وإستنكار الصين لذلك، ومن أبرزها (ظهور لقاح كورونا والتخويف من تلقى اللقاحات الصينية)، وإتهمت الصين “مارك زوكربيرج”، بالتسبب فى حالة ذعر عالمى، والمساعدة فى منع الناس من الحصول على اللقاح المناسب.
٦) ورضوخاً للضغوط الصينية، إضطر “مارك زوكربيرج” فى منتصف شهر مارس ٢٠٢١ للظهور، مؤكداً على صفحته على “فيس بوك” دعمه لحملة التطعيم العالمية وساعد في نشر إعلانات التوعية باللقاح، لكن الهجوم إستمر على فيس بوك، نتيجة للسماح للمعلقين والتعليقات والعناوين بترويج النظريات والتعليقات التى تمنع الناس من تلقى اللقاح، وبالأخص الصينى. ومن هنا نفهم “توتر العلاقة بين شركة الفيس بوك ومؤسسها “مارك زوكربيرج” والصين”، خاصةً خلال الفترة الأخيرة.
ومن خلال التحليل السابق لتفاصيل العلاقة بين شركة “الفيس بوك مع الصين”، نجد أن الأمر قد تعدى خط المنافسة التكنولوجية إلى تبادل الإتهامات ضد بعضهما البعض، خاصةً مع ما ثبت حتى فى الداخل الأمريكى ذاته، بأن شركة فيس بوك ومؤسسها “مارك زوكربيرج”، تحاول أن تلعب أدواراً سياسية وتضع (أرباحها ومكاسبها المادية فوق الصالح العام، كما تتغاضى عن أضرار كثيرة يسببها الموقع لمستخدميه وللأطفال)، فضلاً عن إثبات عدد من مستخدمى تطبيق “إنستغرام” الذى تملكه الشركة ذاتها بتعمد الشركة بيع بياناتهم وإنتهاك خصوصياتهم لأهداف ومصالح مادية بحتة وليست أخلاقية. ومن هنا، باتت الصين تدافع عن “شبكة تطبيقاتها المحلية للحفاظ على القيم والأخلاق وتماسك المجتمع الصينى ذاته فى مواجهة فساد شبكة الفيس بوك والقائمين عليه فى الولايات المتحدة الأمريكية”.
– ثالثاً: إتهامات صينية وعالمية منطقية بتعمد “شركة فيس بوك” تعطيل شبكتها مقرونة بالدلائل والإثباتات
نجد أنه بعد تعطل خدمة شبكة “الفيس بوك”، وباقى التطبيقات الأخرى المرتبطة بها، بات السؤال المنطقى فى الصين والعالم، هو:
“هل تعمدت فيسبوك تعطيل خوادمها وبرمجياتها ونطاق عمل شبكاتها حول العالم لإخفاء فضيحة أو أسرار ما تهز صورة الولايات المتحدة الأمريكية عالمياً؟”
ونلاحظ هنا أن جملة من الإتهامات الصينية إلى شركة “فيس بوك”، والتى تتبنى جملة أسباب منطقية بتعمد القائمين على الشبكة الشهيرة – ربما بناءً على ضغوط حكومية أمريكية، بتعمد تعطيل الشبكة لعدة ساعات، لإخفاء أسرار ما – وتم الإستناد صينياً بالأساس وعالمياً أيضاً إلى عدد من الأسباب وراء ذلك العطل المفاجئ لشبكة “الفيس بوك”، منها:
١) إمتلاك شركة “الفيس بوك” لكافة الإجراءات الكافية لتأمين خوادمها وبرمجياتها وشبكتها الدولية العملاقة من أية حوادث عرضية أو إختراقات أو إحتياطيات مختلفة وعديدة ومبتكرة عند حدوث أى فشل أو عطل ما.
٢) إمتلاك شركة “الفيس بوك” لأفضل نظام أمنى وتقنى فى العالم كله، وربما ما لديها لا تمتلكه حكومات ودول كبرى، وهذا ينقلنا لنفس التساؤل الأخطر من باب المؤامرة وهو:
“هل تعمدت “شركة فيس بوك” تعطيل خوادمها وبرمجياتها وشبكتها عالمياً لعدة ساعات؟”
٣) وهنا تم الربط فعلياً بين أسباب منطقية تتعلق بسمعة الولايات المتحدة الأمريكية دولياً، دفعت الفيس بوك والقائمين عليه لتعطيل الشبكة ربما (لمحو تلك الأدلة والبراهين، والتى تدين الولايات المتحدة الأمريكية)، ومالك الفيس بوك الأمريكى “مارك زوكربيرج”، وبالتزامن مع فعاليات وأحداث مرتبطة بشكل مثير ولافت للإنتباه بل ومنطقى أيضاً تزامناً مع تعطل “فيس بوك” بشكل فجائى، مثل:
“تسريبات باندورا، شهادة “فرانسيس هاوجين”
٤) وتعد فضيحة “تسريب وثائق باندورا”، واحدة من أهم المعارك القانونية والسياسية فى العالم، والتى تحاول شركة “الفيس بوك” إحتوائها غير أخلاقياً وفقاً لقائمة الإتهامات المندوبة إليها، وهى عبارة عن (تسريب لعدد ضخم من الوثائق التى تحوى العديد من الأسرار المالية للمئات من قادة العالم والسياسيين والمليارديرات والمشاهير).
٥) وأتت الإتهامات لشبكة الفيس بوك ومؤسسها “مارك زوكربيرج” بتعمدهما تعطيل خوادم وبيانات الشبكة لعدة ساعات لمحو وإزالة كافة الوثائق والأسعار التى تتضمنها وثائق وتسريبات بإسم “كشف باندورا”، وهى عبارة عن (تسريب لما يقرب من ١٢ مليون مستند) يكشف عن (ثروات سرية، تهرب ضريبى، غسيل أموال من قبل بعض زعماء العالم وأثريائه).
٦) لذلك باتت الإتهامات توجه من قبل الصين وعدد كبير من الصحفيين المعروفين حول العالم، يضم أكثر من ٦٠٠ صحفى فى ١١٧ دولة، بدأوا فى البحث على عدد كبير من الملفات الحساسة من أكثر من ١٤ مصدراً لعدة أشهر للكشف عن (قضايا فساد عالمية كبرى تمس أهم القادة العالميين، وهو ما تحاول شركة “فيس بوك” منعه بشتى السبل حفاظاً على مصالح واشنطن مع دول العالم)، ولتحقيق مكاسب مادية للشركة فى الوقت ذاته.
تم الحصول على البيانات من قبل (الإتحاد الدولى للصحفيين الإستقصائيين)، ومقره فى العاصمة واشنطن، ويعرف بإسم إتحاد:
ICIJ
٧) والإتهامات ضد “شركة فيس بوك بتعمد تعطيل عملها لعدة ساعات حول العالم” تؤكد أنه كان يعمل مع أكثر من (١٤٠ مؤسسة إعلامية فى أكبر تحقيق عالمى من نوعه على الإطلاق فى العالم، إلا أن نوعية الوثائق التى تم تجميعها والعثور عليها ذات طبيعة وأهداف سياسية ودولية، وتؤدى لحدوث أزمات سياسية ودولية لواشنطن وحلفائها)، لذلك باتت ضرورياً على شبكة “الفيس بوك” التخلص منها تماماً، لذلك جاء (تعمد تعطل الشبكة لعدة ساعات لأهداف سياسية وإستخباراتية بحتة للقيام بتلك المهمة، ومحو تلك الوثائق الخطيرة والحساسة حتى لا يتم الوصول إليها، وبالتالى إحراج واشنطن مع حلفائها حول العالم)، وهز ثقة العالم فى الولايات المتحدة الأمريكية.
٨) وعلى الجانب الآخر، فإن “تخوف شركة الفيس بوك من نشر بيانات ومقتطفات أو مقاطع من شهادة الموظفة السابقة للشركة السيدة/ فرانسيس هاوجين ضد الشركة ومسئوليها مدعوماً بالوثائق والمستندات حول طبيعة إنتهاكات وإختراقات شبكة الفيس بوك عالمياً”. ونقصد هنا بشهادة السيدة “فرانسيس هاوجين”، وهى الموظفة التى عملت كمديرة سابقة فى قسم المنتجات فى شركة “الفيس بوك” منذ عام ٢٠١٩، للمساعدة فى معالجة مشكلة التدخل بالإنتخابات عبر وسائل التواصل الإجتماعى، خاصةً بعد (إتهامات عدة للجانب الروسى بالتدخل فى نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية)، وذلك لصالح الرئيس الأمريكى السابق “دونالد ترامب”.
٩) ولعل أخطر ما صرحت به السيدة “فرانسيس هاوجين” وحاولوا تكميم فمها وإيقافها والتخلص منها بتهديدها، هو أن صناع السياسات والمشرعين الأمريكيين باتوا يشجعون شبكة “الفيس بوك ومالكها مارك زوكربيرج” على عدم إحترام مستخدميه وإنتهاك وإستغلال وإختراق وبيع خصوصياتهم لأهداف مادية بحتة، فضلاً عن تبنى القائمين على “الفيس بوك” لأجندة ملوثة، كونها تحض على المعايير غير الإنسانية لمحرمة التالية:
(نشر الكراهية، التفرقة العنصرية بين البيض والسود وبين كافة الأقليات الأخرى، تأجيج الخلافات والنزاعات السياسية والدينية لتحقيق مكاسب مادية، عدم إهتمامهم بصحة وأمن المستخدمين خاصةً فئة الأطفال بنشر ألعاب تشجع على الإنتحار نظير مكاسب مادية هائلة)
١٠) وبناءً على شهادة السيدة “فرانسيس هاوجين” جاء موقف الرئيس الصينى الرفيق “شى جين بينغ” بإصدار “قوانين تلزم الشباب بالإلتزام بالزى الذكورى وعدم إختلاط الهويات، ومنع بث أى محتوى فى الإعلام الصينى يتشبه فيه الرجال بالنساء”، مع تأكيد السلطات الصينية وقيادات الحزب الشيوعى الصينى علنياً بضرورة العمل على:
“الحد من نطاق عمل وإنتشار شركات التكنولوجيا المنتجة للألعاب والتطبيقات الإلكترونية الخاصة بالأطفال لتقليصها وكبح نموها ونفوذها المتزايد”
١١) ومن هنا، بدأت السلطات الصينية منذ شهر نوفمبر ٢٠٢٠، بتبنى حملة صارمة فى كافة أنحاء البلاد، تستند وتستهدف فى الأساس إلى “حماية الأطفال والشباب وطلبة المدارس من الوقوع فى فخ إدمان الألعاب والتطبيقات على حساب صحتهم وعلاقاتهم بالمجتمع بأكمله”.
وبناءً على الأدلة والبراهين والإثباتات السابقة التى تؤكد (تعمد شركة الفيس بوك تعطيل عملها لمحو أدلة إدانتها دولياً). فمن هنا نجد، أنه مع (تزايد الإنتقادات الأمريكية والغربية لتلك الحملة الصينية الموجهة ضد شركات التكنولوجيا الأمريكية والغربية بالأساس، والمنتجة للعب الأطفال)، خاصةً تلك التى تشجع على الإنتحار كأفلام الفيس بوك الخاصة بالأطفال، حاول صناع السياسات فى الحزب الشيوعى الصينى التأكيد بأن:
“ألمانيا كنموذج غربى ناجح، إلا أنها تبنت نفس السياسات لحماية أبنائها وأطفالها، فبرغم تقدم الصناعة والتقنيات والتكنولوجيا الحديثة، إلا أنها ألمانيا قد قيدت عمل شركات الألعاب الخاصة بالأطفال، مع تأكيد القيادات الصينية بأن ألمانيا قد نجحت بالصناعة والإنتاج والتقدم وليس بالإستهلاك والألعاب”
– رابعاً: تحليل أوجه الإستفادة الصينية والتوظيف السياسى والقيمى الصينى لتعطل شبكة “الفيس بوك” الأمريكية حول العالم داخلياً وخارجياً وأيديولوجياً
أن العطل الذي حدث للفيسبوك وتطبيقاته المختلفة، مثل: “واتس آب، إنستغرام، ماسنجر”، يوضح مدى الهيمنة الأمريكية على أدوات هامة للغاية فى عصر الإقتصاد الرقمى، لبسط النفوذ والسيطرة الأمريكية على العالم، وفى المقابل نجد الصين قد نأت بنفسها بعيداً عن هذه (الفوضى الرقمية) بحظر هذه التطبيقات الأمريكية والغربية وتوفير (البديل المحلى من تكنولوجية محلية صينية تناسب طبيعة وقيم المجتمع الصينى وتحمى شبابه وأطفاله)، من خلال:
١) تحليلى الدقيق كخبيرة فى الشأن السياسى الصينى لتلك (الإستفادة الصينية الكبيرة من تعطل شبكة الفيس بوك كعملاق للتكنولوجيا الأمريكية حول العالم، ومحاولة توظيف الأمر سياسياً وأيديولوجياً وقيمياً للدفاع عن مصالحها)، وبالتالى ضرب والإساءة لسمعة شبكات التواصل الإجتماعى الأمريكية، فضلاً عن عدم قدرتها على مواجهة الطوارئ والأهم إنتهاكهاتها لحقوق الطفل والأسرة والإنسان.
٢) وربما يأتى ذلك أيضاً فى مجال ونطاق عمل “الدعاية الرقمية التكنولوجية الصينية فى مواجهة تحالف الديمقراطيات التكنولوجية الرقمية ضدها بقيادة واشنطن مع حلفائها كبريطانيا وأستراليا بالأساس”، وخاصةً بعد حظر الولايات المتحدة الأمريكية لشركة (هواوى) عملاق التكنولوجيا الصينية، والتى تتبنى خطة الصين حول العالم، وبالأخص فى الدول النامية والأفريقية لنشر (خدمات الجيل الخامس للتكنولوجيا الرقمية الصينية).
٣) وأيضاً ستحاول الصين تحسين سمعة شركاتها التكنولوجيا عالمياً، خاصةً بعد إعتقال (المديرة المالية الصينية لشركة هواوى فى كندا والقبض عليها ثم الحكم عليها مؤخراً بتهمة الإنتماء لمجموعة محظورة فضلاً عن تهم مالية أخرى تخص عمل شركة هواوى الصينية نفسها)، وهو ما زاد فى توتر العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، خاصةً مع إتهام الصين لواشنطن بأنها تدفع حلفائها الكنديين لعرقلة مصالحها حول العالم.
٤) وإستطاعت الصين توظيف عطل شبكات التواصل الإجتماعى الأمريكية لأجل عمل (دعاية أيديولوجية تكنولوجية لنفسها، بإثباتها بالدليل الملموس، بأن شبكات التواصل الإجتماعية فى الصين لم تتعرض لأى خلل فى فترة توقف الفيس بوك عن العمل)، فيما يتعلق بعمل التطبيقات للهواتف المحمولة فى الصين.
٥) لذلك، حاولت شبكات التواصل الإجتماعى الصينية، مثل: “وييبو، وى تشات، كيوكيو، يوكو، دويين”… إلخ، والتى كانت تعمل بشكل طبيعى خلال فترة توقف وتعطل جميع إصدارات الويب وتطبيقاتها الأمريكية خاصةً المرتبطة بشبكة الفيس بوك الأمريكية، فتركزت الدعاية الأيديولوجية الصينية فى الداخل بالأساس، بأن “شبكات التواصل الإجتماعية فى الصين لم تتعرض لأى خلل خلال فترة عطل نظيرتها الأمريكية”.
٦) وفى هذا السياق، حاولت وسائل الإعلام الصينية التأكيد على (حسن إدارة سلطات الحزب الشيوعى الحاكم للبلاد، خاصةً مع حظر السلطات الصينية للخدمات التكنولوجية الأمريكية كالفيس بوك وتطبيقاتها فى داخل الصين)، مثل حظر تطبيقات “الفيس بوك، إنستجرام، تويتر، واتس آب”، وغيرها. فضلاً عن (حظر الصين لعمل بعض شركات التكنولوجيا الغربية الأخرى والتى ثبت إنتهاكها للقوانين الصينية)، ولذلك، لم يتأثر المواطن الصينى بأى توقف ملحوظ، مع إستعماله وإستخدامه لتطبيقات صينية بديلة عن الأمريكية، ومن هنا (لم يلحظ أحد توقف عمل أى من التطبيقات الصينية عملياً داخل أنحاء البر الرئيسى للصين خلال فترة توقف وتعطل الفيس بوك وتطبيقاته المختلفة حول العالم).
ومن خلال هذا التحليل، نفهم أن (الصين ركزت جهدها بالأساس فى الداخل)، بالتأكيد على عدم مواجهة الصين لأية مشكلات تقنية مماثلة، خاصةً مع تأثير هذا الإنقطاع لعمل الفيس بوك على حسابات ملايين المستخدمين حول العالم، فضلاً عن تسببها فى مشكلات فى إستخدام منصة “أوكولوس” للواقع الإفتراضى، والتابع أيضاً لـ “الفيس بوك”، فى حين (أن الصين تستخدم فقط تطبيقات تكنولوجية خاصة بها ذات سمعة عالمية وقيمية جيدة، بالنظر لعدم حدوث أى مشكلات تقنية بها فضلاً عن مراعاتها كافة المعايير الأخلاقية التى أغفلتها نظيراتها الأمريكية).
– خامساً: موقف الصينيون أنفسهم تجاه حظر السلطات الصينية وقيادات الحزب الشيوعى الصينى لموقع “الفيس بوك” فى دولتهم طبقاً للدستور الصينى
حاولت سلطات الحزب الشيوعى الحاكم (عمل حملات تثقيفية وتوعوية كبيرة لكافة أبناء الشعب الصينى بخطورة التكنولوجيات الرقمية الأمريكية والغربية على الهوية والثقافة الوطنية والقيمية لدولة الصين الشعبية)، حيث بات التنافس الجديد بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية والغرب يشهد عدة توازنات جيوستراتيجية متسارعة وتحولات داخلية إجتماعية وسياسية جذرية، باتت أكثر قدرة على تغيير صورة العالم وعلاقات التنافس فيه بطرق جديدة غير تقليدية، مثل: موضوع “التطبيقات الصينية التكنولوجية البديلة فى مواجهة التكنولوجيات الغربية”.
وهذا الطرح البديل للتكنولوجيا الرقمية الصينية البديلة لنظيرتها الأمريكية والغربية تعزز من شرعية وقوة الحكم والسلطات الحاكمة للحزب الشيوعى فى الدولة الصينية، بقدرتهم على إستمالة الجماهير والرأى العام الصينى بمنظومة قيم ثقافية متفق عليها بين كافة أبناء الشعب الصينى مع قياداته وسلطاته وحزبه الحاكم. وهو ما يمكن فهمه على النحو الآتى:
١) أعادت السلطات الصينية التأكيد على عمق نظرتها الإستراتيجية البعيدة بحجب عدد من مواقع التواصل الإجتماعى الأمريكية، وعلى رأسها “الفيس بوك” فى الصين منذ عام ٢٠٠٩، وأرجعت السلطات الصينية بأن الحجب يعود إلى (ثلاث أسباب رئيسية)، هى:
– أولاً: بسبب (تعمد تلك المواقع الأمريكية للتواصل الإجتماعى التقليل من قيمة الصين وعدم ذكر الحقائق التاريخية)، مثل تعمدها ذكر ضرورة إحياء الثورات القديمة فى الصين والترويج لتجديدها.
– ثانياً: وجود (ثغرات فى خيارات الأمان والخصوصية فى الفيس بوك، وتهديدها للأمن القومى الصينى).
– ثالثاً: تزايد الإنتقادات الصينية للموقع ومحرك البحث الشهير “جوجل”، وتعمده فى نشر “المواد الإباحية”، والتى (تخترق خصوصية الطفل والأسرة الصينية).
٢) كما حجبت السلطات الصينية موقع (أمازون الأمريكى الشهير لبيع الكتب)، بسبب تعمد موقع “أمازون” لإستفزاز الصين رغم تحذيره، بتعمده بيع والترويج لكتاب ممنوع من النشر فى الصين يتحدث عن الثورات، حيث إنه إذا ما ضغط أى شخص على موقع أو وصلة الكتاب على أمازون من الصين، فإن الموقع يحجب بالكامل لمدة ١٥ دقيقة على الأقل، وهى محاولة من الدولة الصينية للحفاظ على أمنها وإستقرارها وحماية تاريخها وتراثها فى مواجهة العبث الأمريكى والغربى، كما تدافع الصين رسمياً عن نفسها.
٣) ومن هنا، (بدأت التطبيقات الصينية الخاصة تروج لنفسها، وروج لها الإعلام الصينى ذاته، بعدم تعطلها خلال فترة التوقف والعطل المفاجئ فى الخدمات الرقمية الأمريكية الأخرى)، والتى كلفت الولايات المتحدة الأمريكية خسائر فادحة إقتربت من ١٦٤ ألف دولار خسائر فى الدقيقة الواحدة، أى ما يقارب من ٦٠ مليون دولار، وهو ما لم تواجهه الصين.
٤) أما عن موقف الصينيون أنفسهم تجاه حظر الفيس بوك فى دولتهم، فتجدهم وعكس ما يشيع البعض عنهم، بأنهم “حريصون على المحافظة على النظام القيمى للمجتمع الصينى”، بإعتبار أن المواقع الأمريكية كالفيس بوك، تويتر، جوجل، وغيرها من وجهة نظرهم (تخترق النظام القيمى الصينى، كما أنها تهدد ثقافة الصينيين).
٥) فوفقاً للدستور الصينى تعد “الدولة الصينية نفسها مسؤولة أخلاقياً عن حماية مواطينها من التعرض للغزو الثقافي الغربى والأمريكى”، وأيضاً لغلق الباب أمام محاولات الغرب لإستخدام هذه المواقع فى إثارة الإضطرابات الداخلية السياسية ضد الدولة الصينية.
٦) ومن هنا، فنجد أن الصين بعد تعطل الفيس بوك وباقى التطبيقات الأخرى المتعلقة به، قد (روجت لتفوق نموذجها القيمى والتكنولوجى الرقمى فى مواجهة التطبيقات الأمريكية والغربية)، والتأكيد الصينى على صحة نظريتها لإتباع سياسة، تسمى: (بناء مشروع جدار نار الصين العظيم)
The Great Firewall of china
أو مايعرف رسمياً بإسم مشروع الغطاء الذهبى
Golden Shield
والتى تعد واحدة من أكثر وأهم المشاريع التقنية الصينية الحساسة لمراقبة الإنترنت وحجب المواقع الغير مرغوب بها، ويعد من (أكثر المشروعات التقنية الصينية الحساسة تقدماً فى العالم).
وبناءً على فهم الخارطة التكنولوجية الصينية وأهم الأساليب والمشاهير التى تتبناها الصين فى مواجهة التكنولوجيات الرقمية الأمريكية والغربية كالفيس بوك كما حللنا ذلك، ومن هنا نجد (أن سلطات الحزب الشيوعى الحاكم فى الصين تحاول الإستفادة من التقدم التكنولوجى السريع فى بر الصين الرئيسى لتغيير الخارطة الجيوستراتيجية للعالم بصورة سريعة لم تتضح طبيعتها بعد فى مواجهة الهيمنة والأحادية الأمريكية)، وهو ما يتضح لدينا من كيفية وآلية التوظيف السياسى والقيمى الصينى لعلاقة (التكنولوجيا والسياسة والتفاعل والتأثير المتبادل بينهما)، وهو ما ط يمثل أحد أهم محددات هذا العالم الجديد، وإتجاهات التنافس الغير تقليدية المبتكرة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية.
– سادساً: العلاقة بين (أزمة تعطل الفيس بوك وإستعادة هيبة ومكانة الصين التكنولوجية) بين مواطنيها والعالم، والترويج لنظرية “تفوق التطبيقات التكنولوجية الصينية على نظيرتها الأمريكية”
بدأ العالم والدارسين والمجتمع الأكاديمى الدولى حول العالم يشهدون ظهور مصطلحات تكنولوجية ومعرفية جديدة تتمحور كلها حول الصراع والإستقطاب التكنولوجى الأمريكى الصينى فى الوقت الراهن بشكله السياسى، مثل مصطلح (تكنو بوليتيكس)
Techno Politics
وهذا المصطلح الجديد يشير إلى (العلاقة بين الشأنين السياسى والتكنولوجى فى صورته المتغيرة)، بالشكل الذى يمكن تطبيقه على الصراع والتنافس الحالى بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية على “شبكات الجيل الخامس وحظر الولايات المتحدة الأمريكية لشركة هواوى الصينية”، نتيجة الصراع على إستحواذ التطبيقات التكنولوجية وعلاقتها بطبيعة التنافس والإستقطاب السياسى بين واشنطن وبكين ولكن من الناحية الرقمية والتكنولوجية، وهو ما يمكننا تطبيقه وفهمه من جانب الصين خلال أزمة تعطل الفيس بوك، على النحو التالى:
١) إن أزمة تعطل الفيس بوك وباقى التطبيقات المرتبطة بها، مثل: (الواتس آب، الإنستجرام)، وغيرها، قد أعادت هيبة ومكانة الصين التكنولوجية بين مواطنيها، وأثبتت عمق ومدى بعد نظر سياسات الحزب الشيوعى الصينى، بالتأكيد على:
” أن حجب الصين للعديد من مواقع التواصل الإجتماعى الأمريكية ليس عن عبث، فدولة الصين ترى أهمية كبيرة فى “عدم ترك معلومات أفرادها الشخصية بين أيادى خارجية قد تعمل بيوم من الأيام على إستغلال تلك المعلومات، مما يعد مهمتنا الأساسية فى الحفاظ على المواطن الصينى، كأحد المقومات الهامة للحفاظ على الأمن القومى للصين”
٢) وذلك يذكرنا أيضاً بأزمة حدثت قبل بضع سنوات وقعت أزمة بين “شركة جوجل الأمريكية” وبين الصين، وتبادل خلالها الطرفان الإتهامات التى إتخذت طابعاً سياسياً، وإنتهت بتراضى وتوافق الطرفين على نقل خدمة محرك “جوجل” إلى مدينة “هونغ كونغ”، حيث يتم توجيهك إلى موقع جوجل فى “هونغ كونغ” مباشرةً، إذا ما حاولت فتح الموقع فى أى إقليم من أقاليم ومقاطعات الصين الأخرى.
٣) وعلى الجانب الآخر، فإن الصين تحاول الترويج وهو الأهم لمحركات البحث الصينية الأخرى المنافسة للأمريكية، مثل: “بايدو”، والذى أطلقته الصين سنة ٢٠٠٠، ليكون بذلك محرك البحث الأول فى البلاد، وأيضاً منافس قوى لشركة “جوجل” الأمريكية.
٤) وهنا نجد أيضاً موقع (يوكو)
Youku
والذى يعد البديل الصينى لموقع “يوتيوب”، فموقع “يوكو” يعد أكبر وأهم المواقع التى تقدم خدمة رفع ونشر مقاطع الفيديو على الإنترنت فى الصين، ويتميز الموقع بإمكانية رفع مقاطع فيديو غير محدودة، حيث يتيح للمستخدمين رفع أفلام كاملة وحلقات كاملة من مسلسلات صينية وكورية وأيضاً أمريكية، ويتيح الموقع للصينيين (متابعة العديد من الأفلام والمسلسلات غير الصينية، لكونها تكون مصحوبة بترجمة صينية على الشاشة)، متفوقاً بذلك على خدمات موقع “يوتيوب” الأمريكى.
٥) كما نجد أن موقع “ويبو” فى الصين
Weibo
يعد هو البديل الصينى لموقع “تويتر” المحجوب فى الصين، وتعنى كلمة “ويبو” فى اللغة العربية أى (التدوينة الصغيرة)، وبحسب إحصائيات الموقع فإن مستخدميه الصينيون يكتبون يومياً أكثر من ١٠٠ مليون تدوينة صغيرة متفوقاً بذلك على موقع تويتر الشهير للتواصل الإجتماعى.
٦) ونجد هنا أيضاً برنامج “كيو كيو” فى الصين
QQ
والذى يعد من أكبر برامج المحادثة فى الصين، والبديل لبرامج المحادثة الشهيرة، مثل:
MSN & Yahoo
والتى لا يقبل الصينيون على إستخدامها.
٧) ونجد أيضاً تطبيق “وى تشات” أو “وى شين” بالصينية، وهو التطبيق الأكثر إستخداماً فى الصين للتواصل الإجتماعى، حيث كشفت الشركة الأم عن تقرير جديد لها، أظهر أنه يوجد به إلى الآن أكثر من ٤٠٠ مليون مستخدم نشط وهم فى تزايد مستمر.
٨) ومع تزايد حدة الإتهامات الصينية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والتى أعتبر أن أعنفها على الإطلاق كانت إتهام نائب وزير الخارجية الصينى “شيه فنغ” بشكل علنى للولايات المتحدة الأمريكية، بأنها “تحاول القضاء على النظام الصينى”. وقال نصاً، بأن:
“هناك حملة من جانب حكومة بأكملها ومجتمع بأكمله يتم شنها لإسقاط الصين”
وذلك وفقاً لما أوردته صحيفة “تشيانا ديلى الصينية المعروفة”، وذلك خلال زيارة السيدة “شيرمان” إلى مدينة “تيانجين” فى الصين خلال ٢٦ يوليو ٢٠٢١، والتى تعتبر أرفع مسؤولة فى إدارة الرئيس الأمريكى “جو بايدن” تزور الصين.
وأخيراً، نجد أنه من خلال التحليل الشامل السابق للباحثة المصرية لتحليل وفهم طبيعة عمل شركات التكنولوجيا الصينية فى مواجهة نظيرتها الأمريكية والغربية، نستطيع أن نفهم الآن بشكل دقيق (الدور أو التوظيف السياسى والقيمى بل أيضاً والأيديولوجى لشركات التكنولوجيا الصينية والأمريكية وكافة المنصات الرقمية الأخرى المرتبطة بهما للعب أدواراً جيوسياسية حقيقية ومستقلة).
لذلك، فإن الحديث عن (تعطل شبكة الفيس بوك حول العالم ودور الصين وتبادل الإتهامات بين كافة الأطراف المعنية مرتبط إرتباطاً وثيقاً بالأمن القومى وربطه بالتكنولوجيا الرقمية والمشاريع الرقمية التكنولوجية الصينية العملاقة عالمياً فى منطقة وادى السليكون)، خاصةً مع إرتباط شبكات وشركات التكنولوجيا المتقدمة فى الوقت الحالى بالحكومات، وهو ما ينطبق على “الفيس بوك” وإرتباطها بالحكومة الفيدرالية الأمريكية وبالمؤسسات السياسية المختلفة كما أشرت، وأيضاً فمع إرتباط الشركات الصينية العاملة فى قطاع التكنولوجيا بالحكومة، فإن ذلك يبين لنا بالدليل (خطورة العلاقة بين التكنولوجيا الرقمية والسياسة والأمن القومى) لكلاً من الصين والولايات المتحدة الأمريكية فى حالتنا.
ومن هنا، فكان أكثر ما لفت نظرى تحليلياً وأكاديمياً وبحثياً هو (لقاء الرئيس الصينى الرفيق “شى جين بينغ” مع الرئيس التنفيذى لشركة آبل “تيم كوك”، بمعدلات تفوق لقائه بالرؤساء والقادة فى العالم كله). وهذا تأكيد لما سبق وأن طرحناه فى هذا الإرتباط الوثيق بين حكومات الدول والشركات العملاقة للتكنولوجيا، بل (وتعدى حدودها لإرتباطها بالجيوش وبكافة ملفات الأمن القومى حول العالم، وهو ما يكاد ينطبق على الحالتين الأمريكية والصينية والبدائل الصينية التطبيقية للتكنولوجيا الرقمية فى مواجهة المنافسة الأمريكية والغربية، حفاظاً على أمنها القومى من أى إختراق)، وهذا يثبت ويؤكد تماماً نظريتنا حول (العلاقة بين السياسة والتكنولوجيا والأمن القومى، وحدود التأثير والتأثير بينهما).