عدت إلى البيت تائهة شاردة بأفكاري، لا أدري ما الّذي أصابني بعد لقائك يا ثائر. شعرت أنّني ملكت الكون بين يديّ، وكأنّني مراهقة تعيش عشقها الأوّل. ماذا كانت تخبّئ ابتسامتك؟ ما سرّ نظرة عينيك؟ لقد تناقشت كثيرًا مع طلّاب في الجامعة بنفس المواضيع الّتي خضتها معك، لماذا لم أنجذب إليهم؟ لماذا لم أشعر بالسّعادة الّتي تملأ قلبي، والبهجة الغريبة الّتي تكاد تجعلني أضحك بهستيريّة؟ هل ما أمرّ به هو أعراض العشق الّذي يتغنّى به الشّعراء دومًا، ولم أستطع أن أستوعبه يومًا؟ أم هو شعور طبيعيّ يعتري كلّ أنثى حينما تلتقي بمن تعتقد أنّه النّصف المكمّل لها؟ أصبحت أفكاري تائهة، لا أستطيع التّركيز في أيّ عمل أقوم به. باتت صورتك تختلط بالكلمات والعبارات في كلّ صفحة أقرؤها حينما تعانق عيناي أيّ كتاب. لم يمرّ عليّ موقف أو حدث إلّا وأنت متواجد فيهما. أصبحت أنتظر السّاعات لتمرّ سريعًا حتّى أحظى بلقائك، ورغم ذلك لم يغب لحظة شعوري بالرّهبة، وأنا أواصل خطواتي إليك. كانت رعشاتي دومًا تتناغم مع سرور نبضات قلبي. كم أعددت كلماتي الّتي أودّ قولها لك مسبقًا، وكم من المرّات كنت أكرّرها في ذاكرتي كي لا أتلعثم أمامك، وحينما ألتقيك أنسى كلّ شيء، ولا أعي غير دقّات قلبي المتسارعة الّتي كنت أخشى أحيانًا أن تسمعها. ابتسامتك الّتي تتّسم بالسّلام كانت تعيد لي الطّمأنينة، وتشعرني بأنّني بين أحضان حانية تبعدني عن كلّ خوف أو رهبة أو غربة. لا أظنّ أنّ عشقي هو ذاك العشق الّذي يتحدّثون عنه، أخاله من نوع آخر. خفقان قلبي لم يطرب لسماع كلمات عشق. لست تلك الفتاة السّاذجة الّتي تنتشي لكلمات مديح، كما أنّك لم تمدحني يومًا، أو تظهر لي عشقًا أو حبًّا أو إعجابًا. كنت أقرأ ذلك بنفسي في عينيك. لقد كان عشقًا من نوع آخر. لم نرسم حروف اسمينا، وننقشها على جذوع الشّجر، أو نكتبها على رمل الطّريق كما غنّت فيروز. أظنّنا التقينا عند نحيب أمّ ثكلى، أو أمّ تنتظر عتق أصفاد ابنها الأسير، أظنّنا تنسّمنا أبخرة فنجان قهوة انطلق من فوّهات بنادق الحريّة. لا أظنّ أنّ عشّ العشق الّذي تغنّى به الشّعراء قد ضمّنا بين جناحيه، لقد اخترقت قطرات المطر سقف الخيمة الّتي تأوينا، ومسّت جسد الطّفل المعرّى بالخلاء، فأصابتنا ببرودة. حينما حَدَّثْتُ صديقتي بعد أن رأت صورة لك عن بريق عينيك، وتلك الوسامة الّتي أصابتني بسهم، رمقتني بنظرة ماكرة وضحكت؛ أظنّني أدرك سرّ سخريتها، فالوسامة في نظرها عيون واسعة، أو شعر أملس، أو وجه جميل. لم تر السّحر في عيون الوطن الجريح، وبسمة الحجر المنطلق من أمل أنامل طفل حالم. هو ذلك يا عزيزي؛ إنه الحبّ الّذي ينعتق من الذّات، ليطلق حمائم الأمل، ويفتح أبواب الحلم
اترك تعليقك ...