عندما نتأمل في مناطق مختلفة من شوراع العالم ،نجد المشردين بلا مأوى، وأطفال الشوارع الفارين من بيوتهم لعدم وجود أب يعولهم أو خالا يحنو عليهم أوعما يوفر لهم المأكل والمشرب والتعليم .
قد نجد ملايين النساء الأرامل والمطلقات اللواتي تخلى عنهن الازواج اما بالطلاق او الموت بالحرب او المرض ، وهن يتحملن مسئولية اطعام وتعليم وتربية اطفالا كثيرة قد تزيد في بعض الاحيان عن خمسة اطفال دون ان يكون لها موردا للرزق ، فتلقي ببعضهم في سوق العمل دون تأهيل ولا حظا وافيا من التربية ، بعضهم يتشرب اخلاق الشارع والاخر قد يضيع مع تعاطي المخدرات ، والبعض الاخر قد تتلقطه الجماعات التكفيرية لتضمه اليها فيتشرب الارهاب ويصبح خنجرا في ظهر الاوطان .
وعندما نجد ملايين البشر يموتون في قارة افريقيا من شدة الجوع ونقص الغذاءوالدواء ، وتمتلئ شوراع عديدة باللصوص ومروجي المخدرات او عصابات سرقة الأعضاء البشرية وغيرها من الجرائم المميتة للانسان والمدمرة للبشرية ، ناهيك ملايين الشباب العاطل عن العمل ، وغير القادرين على اكتساب الخبرات التي تؤهلهم لسوق العمل ويصبح وجودهم على الارض عالة يستنفذون خيراتها دون ان يعمروها بالعمل والانتاج -حتى و ان كانوا في بعض الحالات ضحية-، ولا عمل لهم سوى افتراش المقاهي ولعب الكوتشينة(الورق) والأرجيلة (الشيشة) ولعب الدومينو و غيرها.
من هنا برزت الحاجة البشرية الى تنظيم النسل وهو ما لا يتعارض مع مقصد الخالق من التكاثر البشري لاعمار الارض ، وكما نعلم جميعا ان الأديان السماوية قد حثت على الانجاب والتوالد واكثار خيرات الارض والاستفادة منها ، ولكن كثرة الانجاب قد يؤدي الموت والهلاك ولا يحقق الحياة الكريمة التي قصدها الخالق العظيم لبني آدم في قوله تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)
وانطلاقا من قاعدة الضرورات تبيح المحظورات ، وهي من القواعد التي اتفق عليها الفقهاء من المذاهب الأربعة في كتب القواعد، وفي كتب الفروع ، فان الازمة الاقتصادية الطاحنة التي تعيشها معظم شعوب العالم ، والأخذة في النمو ، وقصور الاباء والامهات عن رعاية أبنائهم لانشغالهم بالعمل لساعات طويلة ، فلا يجد الأبناء من يرعاهم نفسيا واجتماعيا واخلاقيا ودينيا وصاروا نهبا لرفقاء السوء أو هبات الانحراف الفكري والسلوكي عبر المنتديات وصفحات الدردشة وفضاء الانترنت المفتوح بلا رقيب ولا حسيب .
بل ان الكثير من الاسر قد فقدت موارد رزقها وتعطلت عن العمل لعوامل عديدة وباتت غير قادرة عن اطعام ابنائها وتعليمهم ، كل هذه العوامل وغيرها تدفع المجتمعات دفعا الى تنظيم النسل في الحدود الدنيا بحيث لا يزيد عن طفلين او ثلاثة على الاكثر .
فاذا كان فقهاء الاسلام قد أجازوا منع الحمل والولادة او تأخيرهما اذا كان هناك خطر على حياة المرأة، وذلك دفعًا للضرر الأعظم وتجنبًا للتهلكة ، كما في قوله تعالى: ﴿ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما﴾ النساء: 29. ﴿ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة﴾ البقرة : 195 ، فان اجازة تحديد النسل حفاظا على سلامة الاسرة اقتصاديا واخلاقيا واجتماعيا خاصة وقت الشدائد الاقتصادية التي تمر بها الدول ، باتت من الامور المنطقية ، خاصة وأن الشرائع السماوية من ضمن رسالتها تنظيم حياة الناس دون ضرر او ضرار .
وعلى ذلك فان تنظيم النسل بات ضرورة حياتيه تفرضها تحديات واقع حياتنا المعاصرة ، و قد أباحه الشرع في حالة الخشية على صحة الأولاد أو تربيتهم، أو العناية بتنشئتهم إذا كثر عددهم.
وحتى في عهد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الصحابة يتسخدمون طرقا لتحديد النسل ، وكما ورد في صحيح مسلم عن أسامة بن زيد أن رجلاً جاء إلى رسول الله ³ فقال: يارسول الله إني أعزل عن امرأتي، فقال له رسول الله: لم تفعل ذلك؟ قال الرجل: أشفق على ولدها، فقال رسول الله ³: لو كان ذلك ضارًا لضرّ فارس والروم. وقد كان الصحابة يفعلون ذلك، كما روي في الصحيحين عن جابر، رضي الله عنه، أنه قال: (كنا نعزل على عهد رسول الله ³ فبلغ ذلك رسول الله ، فلم ينهنا).
وأجاز الإسلام كذلك تنظيم النسل إذا خشي الزوج على الطفل الرضيع من حمل جديد، فيعزل عن المرأة منعًا لذلك.
حتمية تنظيم النسل
ولأن العقل هو مناط التكليف ، فلا يمكن أن يتعارض الشرع مع معطيات العقل ، وكلاهما يقر الأخذ بالاسباب ، وهنا يجب على الانسان ان يراعي امكاناته المادية أولا ، قبل ان يأخذ قرارا بكثرة الانجاب ، فاذا كان دخله محدودا وغير مستقر وأنجب العديد من الابناء ، فانه قد يعجز و الوفاء باحتياجاتهم فيظلمهم ويظلم نفسه ومجتمعه .
والواقع في عالمنا العربي يكشف الكثير من الأباء قد هربوا من المسئولية عندما ثقلت أعباء وتكاليف اطعام وتعليم أبنائهم ، وطلقوا زوجاتهم لعدم قدراتهم على الانفاق .
والمعروف ان كثرة الانجاب تزيد من أعباء الاسرة بما يختل بتوازنها الاقتصادي وأمنها الاجتماعي الذي يلقي لاحقا على عاتق المجتمع والدولة . ومن هنا فان تنظيم النسل يعد ضرورة تحمي الافراد والاسرة والمجتمع ويتيح للدول ان توفر لمواطنيها حياة كريمة .
لعلي ادعو الدول الي سن قانون لتحديد انجاب الزوجين لطفلين او ثلاثة على الاكثر ، و ذلك بناء على دخلهم الشهري .
وقد يعترض البعض بزعم ان الدخل هو رزق من الله ، و ربما الفقير يصبح غنيا أو غني يفقد ماله ، وهذا صحيح في حالات كثيرة ، لكن نحن نتطلع الى قانون يحمي الاغلبية و ليس حالات فردية ، و الهدف منه زيادة النخب و ليس العدد و تحقيق مصلحة العائلة بالعيش في حياة كريمة تحقق راحة الأم من الكد و التعب ، و راحة الأب من السهر لجمع المال ، و راحة الشوارع من المتسولين ، و راحة الحكومة من أعباء المتسربين من المدارس ، واطفال الشوراع الذين ينضمون لاحقا الي فئة النشالين و مروجي المخدرات .
ان سن قانونا لتنظيم النسل سيحقق راحة للمجتمع من الاشخاص العالة عليه دون عمل او انتاج ، كما هذا التحديد يحقق راحة للبيئة و الطبيعة من التعداد السكاني الهائل الذي لم يعد الهواء والماء و الارض تتحمله ، و ايضا البنية التحتية حتى الوظائف لا تكفي لانصاف المتعلمين او حتى الغير متعلمين الذين لا يريدون حتى ان يعملوا بالمهن الحرفية.
هذا يعني الموضوع متشابك و من يفهمه جيدا سيعترف بآن تحديد النسل مهم لمصلحتك أولا و هو لا يتعارض مع الدين ، لان الدين حرم قتل الموجود و لم يحدد باي شكل تحريم تحديد عدد افراد الذي نريد انجابهم .
ففي الازمنة القديمة كانت الأسرة تنجب كثير ا وتفرح بالكثرة العددية لان الاطفال سيعملون بالحقل او المزارع او الصيد او المغازل مع ابيهم ، و لكن الآن ، فان الآلة قد أغنت عن كثرة العمال الذي كانوا زمان من أهل المنزل ، فلم يعد هناك حقل و لا زرع و ان وجد بالريف فأغنت الآلات عن العدد فشخص أو أثنين يقومون بعمل عشرات الاشخاص سابقا .
اما هذه الآية الكريمة (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا)
المقصود بها عدم قتل الموجود و عدم الاضرار بمن جاء الى هذه الدنيا و تقصد ايضا عدم قتل الاطفال و ان كان جنينا في رحم امه ،الا لو امر الطب و الشرع بذلك لسبب عظيم ،و لا تعني عدم تحديد النسل مسبقا
اترك تعليقك ...