مقالات

أطفال على الهواء: من يحمي خصوصيتهم من كاميرات أهاليهم؟

بقلم / أ. أمل أصلان
المحاميه بالنقض و الإدارية العليا و مجلس الدولة

لم تعد حماية الطفل مقتصرة على الغذاء والملبس والأمان الأسري فقط؛ بل امتدت إلى نطاق أكثر تعقيدًا: الفضاء الرقمي. فالطفل اليوم يولد ببصمة إلكترونية تَصنعها أصابع والديه قبل أن يتعلم هو كيفية النطق باسمه. ومع انتشار ظاهرة “مشاركة يوميات الأطفال على مواقع التواصل” أو ما يُعرف عالميًا بـ Sharenting، باتت الأسئلة القانونية تشغل المجتمع:
هل للطفل حق مستقل في الخصوصية؟ وهل يمكن محاسبة الأب أو الأم على نشر بيانات طفلهما دون وعي؟ وما المخاطر التي تُهدد مستقبل هذا الطفل بسبب تلك المشاركة؟

هذه المقالة تُجيب من منظور قانوني خالص، مع إضافة النصوص المصرية ذات الصلة، وقراءة واقعية للتطورات المتوقعة في العالم العربي.

أولاً: الطفل صاحب حق مستقل في الخصوصية قبل بلوغه سن الاختيار

القوانين الحديثة لم تعد تعتبر الطفل “تابعًا” لولي أمره في كل شيء. فالمبدأ القانوني المعاصر يقوم على أن:

للطفل حقوق أصيلة لا يملك أحد—حتى الوالدين—التصرف فيها بما يضر بمصلحته.

1. الاتفاقيات الدولية

اتفاقية حقوق الطفل (CRC)، التي صادقت عليها مصر سنة 1990، تنص في مادتها 16 على:

“لا يجوز تعريض أي طفل لتدخل تعسّفي أو غير قانوني في خصوصيته أو أسرته أو مراسلاته، ولا لأي مساس بشرفه أو سمعته.”

وهي مادة مُلزمة لمصر وفقًا للمادة 93 من الدستور المصري التي تجعل الاتفاقيات الخاصة بحقوق الإنسان لها قوة القانون.

2. القوانين المصرية ذات الصلة

أ) قانون الطفل المصري رقم 12 لسنة 1996 وتعديلاته
• المادة 7 مكرر (أ):
توجب على الدولة حماية الطفل من جميع أشكال الإساءة والإهمال والاستغلال.
ونشر بيانات أو صور طفل بما يضره يندرج تحت نطاق الإساءة المعنوية والضارة.
• المادة 96:
تعد الطفل “معرضًا للخطر” إذا تعرض لأي ضرر نفسي أو سلوكي نتيجة أفعال الآخرين—بما في ذلك ولي الأمر.
والنشر الضار على الإنترنت يدخل ضمن هذا النص.

ب) قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018
• المادة 25:

يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تزيد على 100 ألف جنيه كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة بنشر صور أو أخبار أو بيانات تنتهك خصوصية شخص دون رضاه.

وهنا:
الطفل لا يملك أهلية الرضا قانونًا.
وموافقة الأب أو الأم لا تبرر النشر إذا ترتب عليه ضرر أو انتهاك لمصلحة الطفل الفضلى.
• المادة 26:
تغلظ العقوبة إذا كان الفعل من شأنه “المساس بالطفل أو انتهاك حرمة حياته الخاصة”.

ج) الدستور المصري – المادة 80

تنص على:

“تلتزم الدولة برعاية الطفل وحمايته من جميع أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال.”

والاستغلال هنا يشمل الاستغلال الرقمي أو الإعلامي.

الخلاصة القانونية:
النصوص المصرية تضع أساسًا صريحًا لحماية خصوصية الطفل، وتُجيز محاسبة أي شخص—بما في ذلك الوالدين—إذا نشر محتوى يضر بسلامة الطفل النفسية أو يعتدي على خصوصيته.

ثانيًا: رصد قانوني لمخاطر مشاركة يوميات الطفل على السوشيال

ما يراه بعض الآباء “ذكرى جميلة” قد يُشكل للطفل مستقبلًا ملفًا رقميًا لا يملك التحكم فيه.

1. تكوين بصمة رقمية قسرية

الطفل يكبر ليجد:
• صوره منشورة
• لحظات ضعفه متاحة للجمهور
• تفاصيل حياته الشخصية محفوظة إلى الأبد

وهذا يتعارض مع الحق القانوني في التحكم في بياناته الشخصية مستقبلًا.

2. مخاطر التنمر الرقمي والتحرش

صور ومقاطع قد تصبح لاحقًا مادة للسخرية أو الاستغلال.

3. استغلال البيانات تجاريًا أو جنائيًا

تجمع بعض المنصات:
• موقع الطفل
• بيئته اليومية
• تفاصيل أسرته
• نمط حياته

وهي بيانات قد تُستخدم في:
• الجرائم الإلكترونية
• الاستغلال التجاري دون إذن
• انتهاك الخصوصية
• إنشاء حسابات وهمية

4. أثر نفسي ممتد

أثبتت الدراسات الأوروبية أن الأطفال الذين تعرضوا للشيرنتنج يشعرون بأن:
• خصوصيتهم مُخترقة
• العالم يراقبهم
• لا يملكون مساحة شخصية

وهي نتائج تتوافق مع تعريف “المعاناة النفسية” الوارد في المادة 96 من قانون الطفل.

ثالثًا: هل يمكن محاسبة الأب أو الأم على هذا السلوك؟

الإجابة: نعم.

1. وفقًا للقانون المصري

رغم عدم وجود مادة تقول حرفيًا “عقاب الوالدين على الشيرنتنج”، إلا أن النصوص الحالية كافية للمساءلة في هذه الحالات:

✔️ إذا كان النشر يؤدي إلى ضرر نفسي أو اجتماعي (المادة 96 من قانون الطفل)

✔️ إذا كان النشر ينتهك الحرمة الخاصة (المادة 25 من قانون الجريمة الإلكترونية)

✔️ إذا كان فيه استغلال للطفل (المادة 80 من الدستور)

✔️ إذا عرض الطفل للخطر (المادة 96 من قانون الطفل)

وبالتالي:
يمكن توجيه اتهام لولي الأمر تحت مسمى تعريض طفل للخطر أو الاعتداء على خصوصيته.

2. أمثلة دولية تؤكد الاتجاه العالمي

فرنسا (2023)

قانون واضح يسمح للطفل بمقاضاة والديه لإجبارهما على حذف صوره ووقف استغلاله الرقمي.

3. قاعدة القانون الأساسية

“مصلحة الطفل الفضلى” هي العليا… وتعلو على رغبات الوالدين.

فإذا رأت جهة حماية الطفل (مثل المجلس القومي للأمومة والطفولة) أن النشر يضر الطفل، يحق لها التدخل فورًا.

رابعًا: الاتجاه العالمي القادم

كل التشريعات تسير نحو:
• منع النشر الضار لصور الأطفال
• فرض معايير لحماية بياناتهم
• اعتبار الشيرنتنج المضر نوعًا من الإهمال
• منح الطفل حق طلب حذف تاريخه الرقمي عند البلوغ
• تضييق الحسابات التي تستخدم الأطفال لجلب المشاهدات

ومن المتوقع أن يصدر في مصر خلال السنوات القادمة:
• نصوص مباشرة تتناول حماية البيانات الرقمية للأطفال
• إلزام المنصات بحذف محتوى الطفل عند طلب ولي الأمر أو الطفل بعد بلوغه
• تجريم صريح لاستغلال الأطفال في المحتوى الإلكتروني.

خاتمة حاسمة

الطفل ليس ملكًا لوالديه… هو إنسان له كيان وحقوق وخصوصية.
وإذا كان القانون لم يصرّح بعد بكل التفاصيل، فإن الاتجاه التشريعي—دوليًا ومصريًا—واضح:

الطفل صاحب حق مستقل في أن يقرر ماذا يُنشر عنه، ومتى، وكيف.

وحتى يحين العمر الذي يستطيع فيه اتخاذ هذا القرار بنفسه، يصبح على الوالدين واجب قانوني وأخلاقي:

أن يحموه… لا أن يعرضوه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى