سقف العالم والأرض الجديدة
بقلم /الكاتبة الروائي سالمة الموشي
ندهش ما إن نلقي نظرة على مدى حجم التلاعب الحسي والعقلي الذي تعرضت له البشرية في هذه الحقبة المضطربة من الزمن، إغلاق العقول وخلق سياسات فرق تسد وقتل ودمار يجعلني أستعير هذا العنوان (أرض جديدة) من المبدع والإنسان جدا “إيكارت تول” الذي يقول في هذا المعنى “الأرض الجديدة” الذي أصدره عبر كتاب بهذا العنوان إنه ألهمه لأن العالم أصبح بحاجة لأرض جديدة.
إن ظهور هذه الأرض الجديدة أصبح وشيكاً أكثر من أي وقت آخر في التاريخ الإنساني لسبب حقيقي وقائم وهو أن العالم كونيا يتجه إلى قيام “أرض جديدة” ستقوم على انهيار نظام العالم الموجود بكل إسقاطاته السلبية. وأنه إذا ما تقصينا عمق الإنسانية والخلل الذي أدى إلى تخبطها وعجزها عن تحقيق تطور روحي حقيقي فإننا سنكون أمام أكبر عوائق هذه الغاية ألا وهي الثنائية التي يعيشها الإنسان، المتمثلة في الغرائز والنزعات التي غيبت الروح الواعية الخلاقة القادرة على وعي ذاتها ورسالتها.. لقد أصاب الإنسان غرور المعرفة السطحية والمادية وأغفل تطوره الروحي بحيث لا يُلحَظ عبر تاريخنا الطويل إلا من خلال ظهور فردي نادر، حيث نسي الإنسان في ظل حروبه الصغيرة كيف سيبني أسطورته التي من المفترض أنه يقوم بها على الأرض.
حين يتدنى سقف العالم الذي نعيش فيه ويضيق بنا حد الاختناق فإن عالماً آخر هناك بانتظارنا.. إنه عالمنا الذي يسكن في داخلنا، وعلينا أن نصلحه لننجو بعد أن عبث البشر كثيرا في الأرض التي استخلفهم الله فيها وسفكوا الدماء واقترفوا الظلم بما يكفي، وتتطلب اليقظة الحقيقية للنجاة أفرادا قادرين على رؤية الذات الخيرة والخلاقة التي تعي سر التحول الروحي الذي غيبه واقعنا المادي.
هذا التغييب ليس إلا ناتجا عن الأفكار التي شكلت واقعنا مما خلق نوعاً من النمطية بداخلنا والتي تتشكل حولنا على هيئة حياتنا التي هي عبارة عن الناس، والأماكن، والأحداث التي تعكس بالضبط واقعنا الداخلي، وكيف ننظر لأنفسنا.. وكوننا، وكنتيجة لهذا أننا نخلق تجربتنا المادية وهذا هو التلاعب الذي طال سقف العالم ومرر إليه.
إننا بحاجة ماسة اليوم وليس غدا لتغيير الطريق إلى التسامي، والانتماء للرحمة والحق مقابل الظلم والجور لخلق إمكانات عليا للتعبير عن الماهية الروحية التي يفتقدها العالم بشكل درامي متسارع، بحيث أصبحت هذه الماهية لا تتعدى بعض الطقوس والأقوال المفرغة من معناها.
لا شك أن هذه القفزة لرفع سقف العالم الداخلي الذي يسكننا هي مغامرة حافلة بالإرادة واليقظة الروحية بحيث يتردد الناس طويلا قبل أن يجدوا هذا المستقر الآمن لأرواحهم المنهكة.
ويعود فشل الإنسان في رفع سقف عالمه الداخلي إلى كونه ما زال عاجزا عن الخروج من تشبثه بالمتعلقات المادية وبأنانيته المفرطة تجاه أشيائه المادية. . فالإنسان وظف كل معرفته وطاقته من أجل الحياة المادية البحتة وكرس كل قيمه وعقله من أجل ممارستها والحصول عليها. . لهذا انخفض سقف عالمنا الداخلي حتى بدا مظلما ومنخفضا لكأنه يكاد يسحق الجميع.