الجزء ٢٥ ” هناك في شيكاجو”

الفصل الثّاني
والدي
انغلقت على نفسي قليلًا بعد رفض والدي الارتباط بثائر، رغم ذلك ظلّت علاقتي به الأقوى. صاحبت الكتاب، وأصبحت أنوّع في اختياري للكتب. لم أعد أقتصر على قراءة الكتب العربيّة. أخذت بنصيحة ثائر لأزيد من أفقي المحدود الّذي لا يستطيع أن يقف أمام ثقافته الوافرة. أصبح رفيقي القلم الّذي بدأ يخطّ كلّ حزن يختلجني، وكلّ فكرة لم يكن بوسعي أن أبوح بها لأحد. كلّ مساء جمعة، كنت أجلس مع والدي أتحدّث معه عن آخر كتاب قرأته، فيعطيني رأيه. في كلّ موقف كان لا بدّ أن يعيدني إلى ذكريات مرّت بنا.
هذا المساء كان لديّ رغبة كبيرة في الحديث له. قلت له:
لا أدري لماذا يراودني الحنين أن أستمع إلى مذياعك، فينظر لي من طرف عينيه ثم يضحك. تابعت:
كلّما تذكّرت هذا المذياع وذكرياتي معه لازمتني الابتسامة، كان رفيقك ورفيقي أيضًا في الصّغر، حجمه يفوق حجمي مرّتين. هل تذكر كم كنت أشاغبك وأنت تستمع إلى نشرة الأخبار؟ كنت دومًا أطلب منك أن نستمع إلى أغاني عبد الحليم، سوّاح، وزيّ الهوى بدلًا من نشرة الأخبار. ضحك ثمّ سألني:
وهل تذكرين يوم طلبت منّي رؤية عبد الحليم، قلت لي أنظر إليه داخل السمّاعة ؟
هل تضحك من طفولتي؟! كنت فعلًا أراه بحجم عقلة الإصبع، وهو يغنّي زاي الهوى داخل السمّاعة.
وأنت ألا تذكر ماذا قلت لي في صغري عندما طلبت منك الذّهاب إلى السّينما؟ قلت لي سأصحبك هناك حينما يطلع الحمار على الميدنة، وبقيت أنتظر الحمار ببراءة الطّفولة طيلة النّهار حتّى حلّ الظّلام، ولم يطلع إلى الميدنة كما أخبرتني. هل تغفر هذا الكلام، ولا تعتبره مضحكًا، بينما تسخر من كلامي ولا تغفره؟! نضحك عاليًا.
هل يعقل أن أسخر منك، لماذا لا تذكرين تشجيعي لك، ووقوفي دومًا في صفّك؟










