900
900
مقالات

الزعامة الإقتصادية للإقتصاد الصينى فى أفريقيا فى ضوء الطموحات الجيوسياسية

900
900

بقلم / الدكتور أحمد جمعة عبد الغني حسن
الخبير الاقتصادي واستاذ الاقتصاد بجامعة الزقازيق

برغم أن الكثير من الدول الأوربية، بخاصة فرنسا وبريطانيا، بسطت نفوذها على دول أفريقية كثيرة بقوة السلاح خلال القرن الـ19، إلا أن الصين وفي ظرف زمني وجيز أحكمت سيطرتها الاقتصادية وبطريقة “ناعمة” وتمكنت من التغلغل في اقتصاديات الدول الأفريقية جنوب الصحراء والاستفادة من مواردها الطبيعية، حيث تعمل الصين على القارة السمراء منذ عقود عدة ولها رؤية واستراتيجية واضحتان رسمتهما من أجل التوغل في أفريقيا لتصبح المستثمر الأول في هذه القارة. وفى عام 2020، بلغت قيمة التجارة الثنائية 187 مليار دولار، على الرغم من الصعوبات التي فرضتها جائحة فيروس كورونا، لتحافظ بالتالي الصين على ريادتها كأفضل شريك تجاري لأفريقيا، وذلك على امتداد 12 سنة متتالية. وسجل حجم التجارة البينية، بين الصين وأفريقيا نمواً قوياً في الأشهر السبعة الأولى من العام ذاته بنسبة 40.5٪؜ ليصل إلى 139 مليار دولار. كما عرف الاستثمار الصيني في أفريقيا توسعًا مهمًا، على الرغم من المنحى التنازلي في التجارة والاقتصاد العالميتين، الناتج عن آثار فيروس كورونا، إذ بلغ الاستثمار الصيني في القارة السمراء 2.9 مليار دولار سنة 2020 بزيادة قدرها 9.5٪؜.
ساهم الاستثمار الصيني في زيادة النمو الاقتصادي للبلدان الأفريقية، لا سيما من خلال الاستثمار في القطاعات الإنتاجية (التصنيع). الاستثمارات الصينية في البلدان الأفريقية تسعى في الغالب إلى السوق، بدلاً من التصدير، فإن مساهمة الاستثمار الصيني ليست في تعزيز صادرات أفريقيا ، ولكن في توفير وصول أوسع إلى سلع أرخص للمستهلكين الأفارقة.
علاوة على ذلك، ساهم التمويل الصيني على خلق المزيد من النشاط الاقتصادي الأفريقي بالمساهمة فى مشروعات البنية التحتية الرقمية في العديد من البلدان الأفريقية، وإنشاء البنية التحتية للنقل والطاقة.
وأضاف الدكتور أحمد جمعة عبد الغني لطالما كانت الصين لاعبًا سياسيًا واقتصاديًا رئيسيًا في أفريقيا لسعى الصين إلى دمج أفريقيا في إستراتيجية الدولة الجيوسياسية الأوسع.
فمنذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين زاد وجود الصين في أفريقيا بشكل كبير من حيث التجارة والاستثمار وتمويل البنية التحتية. أن ” التعاون الصيني – الأفريقي “، حصل على قوة دفع بفضل منتدى التعاون الصيني الأفريقي (FOCAC) الذي تأسس عام 2000، حيث اتخذت العلاقات المشتركة بعداً جديداً تمثل في التعاون الجماعي الأفريقي مع الصين. ساهمت الشركات الصينية في التصنيع وتحسين سبل العيش من خلال استثماراتها في أفريقيا، ما جعلها إحدى القوى الدافعة للنمو الاقتصادي الشامل لأفريقيا، الأمر الذي ساهم على تعزيز التصنيع وخلق فرص العمل وتحسين بناء البنية التحتية.
أن الاستثمار الصيني تركز في الأساس على قطاعات الخدمات، مع تسجيل ارتفاع في الاستثمار في قطاعات جديدة على غرار البحث العلمي والتكنولوجيا والنقل والتخزين بواقع الضعفين. وبلغ الاستثمار الصيني المباشر حتى نهاية يوليو 2020، ما قيمته 2 مليار دولار، أي أفضل من المستوى المسجّل في عام 2019 أي قبل الجائحة. تم بناء 25 منطقة صينية للتعاون الاقتصادي والتجاري في 16 دولة أفريقية وجذبت هذه المناطق 623 شركة باستثمارات إجمالية بقيمة 7.3 مليار دولار، ووفرت أكثر من 46 ألف فرصة عمل للدول الأفريقية.
وهناك أكثر من 1000 شركة صينية تعمل حالياً في أفريقيا، فيما تتحدث مصادر أخرى عن 2500 شركة، 90٪؜ منها شركات خاصة. وهناك توقعات أن تصل قيمة الأرباح المالية التي تجنيها الصين من أفريقيا بحلول عام 2025 إلى 440 مليار دولار، أي بزيادة قدرها 144٪؜. وتُعد جنوب أفريقيا وإثيوبيا من بين الدول التي تتصدر المقدمة في ما يتعلق بالاستثمارات الصينية، بينما تحتل زامبيا وأنغولا ذيل الترتيت.
وتابع الدكتور أحمد جمعة عبد الغني على الرغم من أن أفريقيا لا تزال تشكل جزءًا صغيرًا من الاقتصاد العالمي ، إلا أن التنبؤات السكانية من قبل صندوق النقد الدولي (IMF) تظهر أنه سيكون في أفريقيا جنوب الصحراء عددًا أكبر من الأشخاص في سن العمل مقارنة بدول أخرى. على مدى السنوات المقبلة ، سيتم إضافة ما يقرب من مليار مستهلك ومنتج محتمل إلى المنطقة. مع وجود مؤسسات أفضل واستثمار أكبر في رأس المال البشري ، يمكن لأفريقيا أن تضيف ديناميكية كبيرة إلى العالم والاقتصاد العالمي. قد يحمل مستقبل هذه القارة نقاط تحول مهمة لتنمية العالم ، بما في ذلك تغير المناخ والإرهاب.
وعلي جانب أخر وفى ضوء تصاعد التوترات الجيوسياسية بين الصين من جهة ، والغرب وحلفائه من جهة أخرى ، فيجب أن يكون المجتمع الدولي متيقظًا لأي علامات على الطموحات العدائية أو التوسعية التي قد تكون لدى الصين في القارة. سيكون من الحكمة للدول الأفريقية وكذلك للغرب وحلفائه الاستعداد لكيفية التعامل مع مثل هذه التطورات.

اترك تعليقك ...
900
900
زر الذهاب إلى الأعلى