900
900
مقالات

أ. د. عبد المحسن فراج القحطاني يكتب : من كتاب بين منزلتين

الجزء الثاني " سيرة ذاتية "

900
900

الحياة هنا متحركة وجاذبة، وليست لافظة.. وكل شيء حولك يشعرك بحب الحياة، والأمل فيها، فلا ترى متشائما.

والكل فرح وصاحب نكتة، يفرح بالقليل ويرضى بالأقل؛ ولايستسلم عند مرحلة، بل سُلمة تفضي إلى أخرى.. حياة في صعود لا هبوط. أميُّها يعطيك حكمة ويغذيك بنكتة، وتجد عنده ما قد تفتقده عند غيره.. التعلم من كل جانب وفي كل اتجاه، أو عند أي نوع من الناس في هذا البلد.

هذه القاهرة بكل تموجاتها وتعرجاتها، وإذا أراد صاحب السيرة أن يرى القاهرة التي ألفها حين وطأتها قدماه لأول مرة، يذهب إلى وسط البلد بشوارعه الجميلة، وإن كانت ضيقة، وبناياته التي تشم فيها رائحة الرخاء حين بنيت لم يبخل على تجميلها لتكون بناية تتحدث عن نفسها بافتخار، وتتبختر على غيرها من بنايات حديثة لا تملك من مقومات الجمال ما بلغته تلك المباني التي تشعرك بجمال القاهرة وشموخها آنذاك، متقدمة البلدان العربية.

وإذا أردت أن ترى الإنسان في حركته وأخذه وعطائه، فاذهب إلى العتبة / خان الخليلي/ الغورية / الحسين/ الأزهر، وسيعطيك ذلك حياة باختلاف طقوسها وأنماطها، بل إذا أردت الحياة المتحركة فاذهب إلى مقابر الدراسة، فترى القبور وهـي تعج بالساكنين والمارين من الأحياء، وكأنهم يقولون: الحياة لم تنته. هنا حياة داخل القبور.

وعلى ظهورها وفي شوارعها.. إنها الحياة التي صنعها الإنسان المصري.. حتى قبورهم لم تكن موحشة، وكأنه إعلان على أن الحياة باقية لمن هم في باطن الأرض، ومن هم في خارجها ..

في أول الأمر تصيبك وحشة، ثم ما تلبث أن تشعر بالأمن والطمأنينة، وبعدها تمارس حياتك بلا تنغيص أو وجل.. إنها الحياة ستبقى ما بقي الكائن الحي على ظهر هذه الأرض.. هذه المشاهد قل أن تجدها في غير مصر، إن لم تكن معدومة، في غيرها من الأماكن، حسب مشاهداته التي رآها في دول زارها، أو عاش فيها.

ولم تكن القاهرة بهذا الحجم الذي يرى من عشوائية تفسد الذوق، ولا من تمدد عمراني منظم في مدن جديدة، كحي الشيراتون على طريق المطار، و6 أكتوبر، والعاشر من رمضان، والتجمع الخامس. وأحياء القاهرة الجديدة، والشروق، والرحاب، ومدينتي.. وغيرها، ولم يكن هناك أيضا كوبري 6 أكتوبر الممتد طولا، ولا المحور المحيط كالمعصم بالقاهرة، ولا فنادق القاهرة: سميراميس بحلته الجديدة، ولا الماريوت ببرجيه، ولا شيراتون الجزيرة (آنذاك)، ولا الفورسيزونز بمبنييه في الجيزة والقاهرة، ولا رمسيس هيلتون، ولا جراند حياة..

كل ما كان هناك سميراميس القديم، وقصر الخيام (الماريوت فيما بعد)، والميريديان. وعلى رأسها الهيلتون على النيل، وشيبرد، ناهيك عن الفنادق التي تتفرق على أنحاء القاهرة، وهي كثيرة، ولكن لم تصدح أسماؤها إقليميا ، أو عربيا ..

هذه هي القاهرة التي كان يتجول فيها صاحب السيرة، ويرى البدء في هذه المشاريع، وعاصر نموها جميعا ، وكان يرقبها وهي تشيد: جسورا وفنادق ومبان، ويسمع عن امتداد المدينة بكل اتجاهاتها، فإذا ذهب للمطار رأى عمائر تُبنى وطرقا تُرصف، وحياة تمتد، فضلا عن التمدد داخل القاهرة التي يحتضنها هذا المحور الطويل الذي تتفرع منه كبار أخرى تخدم هذه المناطق الجديدة..

هذه القاهرة تلهث وراء الحياة، وكأنها تعبت من المسير، وأرادت لنفسها أن تستريح، وكيف لها ذلك وهي تعيد حياة جديدة بعد انتكاسة كبيرة حدثت لمصر أولا، وللعالم العربي ثانيا، وللعالم الإسلامي ثالثا، وهي نكسة ما يسمى بحزيران 67.

حياة فرحت فيها الأمة بالنصر، وفتح السادات مصر على مصراعيها، رغبة منه في إنعاش اقتصادها، فجاء المستثمرون من كل مكان، واستثمرت أموال طائلة آنذاك من العرب جميعا ، ناهيك عن شركات عالمية كبرى..

كل هذا أنعش الاقتصاد المصري، وجعله معافى، بل في قمة شبابه يزهو به السادات ويفتخر، وكان يقول مقولة شهيرة: من لم يستغن في حياتي، فلن يغتني بعدها أبدا.

اترك تعليقك ...
900
900
زر الذهاب إلى الأعلى