900
900
900
مقالات

شهر رمضان والسلام النفسي: كيف يحقق الصيام طمأنينة القلب وراحة الروح

900
900
900

بقلم / د. جيهان رجب
عضو لجنة الشباب ببيت العائلة المصرية

يأتي شهر رمضان ليكون محطة روحية عظيمة، تتجدد فيها النفوس وتسمو الأرواح ، حيث لا يقتصر أثره على الامتناع عن الطعام والشراب، بل يتغلغل في أعماق الإنسان ليحقق توازنًا نفسيا وسلاما داخليا لا مثيل له . ففي هذا الشهر الكريم، يجد الصائم نفسه في رحلة نحو السكينة والطمأنينة، مدفوعا بروحانية العبادات وطهارة النوايا، مما يساعده على تصفية ذهنه والتقرب إلى ذاته وإلى الله. ولكن كيف يساهم رمضان في تحقيق السلام النفسي؟ ولماذا نشعر براحة داخلية في هذا الشهر أكثر من أي وقت آخر؟

الصيام وانضباط النفس : السيطرة على الشهوات وبناء القوة الداخلية
الصيام ليس مجرد حرمان مؤقت من الطعام والشراب ، بل هو تمرين روحي يعزز قدرة الإنسان على التحكم في نفسه وكبح رغباته، وهو ما يعد جوهر السلام النفسي. عندما يتحكم الإنسان في غرائزه ويتعلم الصبر ، فإنه يكتسب قوة داخلية تساعده على مواجهة التحديات في حياته اليومية دون قلق أو اضطراب.
إن التحكم في الجوع والعطش يدرب العقل على الانضباط، فيتوقف عن التمرد على الحاجات الأساسية، ويتعلم كيف يتحمل المشقة بصبر ورضا . وهذا الانضباط لا يقتصر على الطعام فقط، بل يمتد ليشمل كبح الغضب، تجنب الأذى، والتسامح مع الآخرين، مما يخلق بيئة نفسية هادئة ومتزنة.

العبادات الروحية وتأثيرها على النفس : التقرب إلى الله واستقرار القلب
في رمضان ، يزداد الإقبال على الصلاة وقراءة القرآن والذكر، وهي أعمال روحية ترفع من مستوى الطمأنينة في النفس. وقد أثبتت الدراسات العلمية أن ممارسة العبادات بانتظام تساعد في تقليل التوتر ، حيث تؤدي الصلاة إلى تنشيط الجهاز العصبي المسؤول عن الاسترخاء، مما يقلل من هرمونات التوتر .

كذلك، فإن قراءة القرآن والاستغفار يعززان الشعور بالأمان الداخلي ، حيث يجد الإنسان في آيات الله السكينة واليقين بأن الأمور كلها بيد الله، مما يزيل القلق ويمنحه سلاما داخليا. قال تعالى: “ألا بذكر الله تطمئن القلوب” (الرعد: 28)، وهي حقيقة نفسية وروحية أثبتها العلم والتجربة.

التكافل الاجتماعي وإزالة الشعور بالأنانية : السعادة في العطاء
السلام النفسي لا يأتي فقط من العبادات الفردية ، بل يتحقق أيضا من خلال العطاء والتواصل مع الآخرين . شهر رمضان هو شهر التكافل ، حيث يتضاعف العطاء وتنتشر الصدقات، وهو ما يخلق شعورا بالرضا العميق لدى الصائم.

حين يساعد الإنسان غيره، سواء بإطعام الفقراء أو مساعدة المحتاجين، فإن عقله يفرز هرمونات السعادة ، مما يمنحه شعورا بالراحة والسكينة. وهذا هو السبب وراء الشعور الفريد بالفرح بعد القيام بعمل خيري ، حيث إن النفس البشرية مجبولة على العطاء، وعندما تحقق هذا الجانب الفطري، تصل إلى حالة من السلام النفسي العميق.

تقليل التوتر والتخلص من القلق : الصيام كعلاج نفسي طبيعي
من العوامل الأساسية للسلام النفسي تقليل التوتر والقلق ، وهو ما يتحقق بشكل كبير في رمضان . الصيام يعمل على تنظيم وظائف الجسم وتقليل الالتهابات الداخلية، مما يساهم في تحسين الحالة المزاجية .

بالإضافة إلى ذلك ، فإن الإبتعاد عن العادات الضارة مثل التدخين والإفراط في تناول الكافيين يساعد في استقرار المزاج وتحسين الصحة النفسية ، مما ينعكس إيجابيا على الشعور بالهدوء والسلام الداخلي .

إعادة ترتيب الأولويات والعيش ببساطة : التحرر من الضغوط الدنيوية
في رمضان ، يتخلى الإنسان عن كثير من العادات الاستهلاكية التي تسيطر عليه في الأيام العادية ، فيعود إلى بساطة العيش، ويكتشف أن السعادة لا تكمن في كثرة الطعام أو الرفاهية المفرطة، بل في القناعة والرضا .

هذا التحول الفكري يجعل الإنسان أكثر قدرة على الاستمتاع بالحياة، بعيدا عن الصراعات الداخلية والرغبة المستمرة في المزيد . وعندما يدرك أن القليل يكفيه ، يصل إلى حالة من الرضا والسلام الداخلي .

رمضان فرصة حقيقية للسلام النفسي،إن رمضان ليس مجرد شهر عابر ، بل هو فرصة لإعادة بناء الذات وتحقيق السلام النفسي من خلال الصيام ، العبادة، العطاء، والعودة إلى البساطة. إنه مدرسة روحية تعلمنا كيف نعيش في توازن مع أنفسنا ومع الآخرين، بعيدا عن الضغوط والقلق.

فإذا أردت أن تحقق السلام النفسي، فاجعل من رمضان نقطة تحول، واستمر في ممارسة ما تعلمته فيه طوال العام، لأن الطمأنينة الحقيقية ليست لحظية، بل هي أسلوب حياة ينبع من الإيمان، القناعة ، والمحبة.

900
900
900
زر الذهاب إلى الأعلى